ما يجري في تعز من صراع يشتت الشرعية ويوزع مقومات وجودها . والسؤال الذي يطرح نفسه : من الذي يسعى إلى إسقاط معادلة الدم وجعل التعايش مستحيلا في تعز ؟ ولماذا تصر جميع الأطراف النفخ في لهيب الحرب وتمزيق النسيج السياسي والاجتماعي ؟ ولماذا أصبح الحمقاء في تعز أكثر من الحكماء ؟
هناك محاولات حثيثة ترتكز على الوضع غير السوي في العلاقة الداخلية وتنطلق من محاولات ترويض أطراف النزاع وتستثمر في الانقسام وتغالي في التبرير لكي تساعد على توسيع الانقسام وفرضه أمرا واقعا . إن التعامل مع الوضع بهذه الكيفية لا يمكن بموجبه بناء ثقة تنتج تسوية للوضع .
ولهذا يجب على العقلاء في تعز تفعيل العمل الوطني من خلال استثمار النضالات والمواقف ومصادر القوة لمصلحة مشروع الدولة والاستقلال . يجب إخراج الصراع من لعبة الاستثمار الإقليمي والاستثمار فيه لصالح الشعب اليمني . الحرب الأهلية في تعز ستكون كارثة عليها بكل المقاييس . وسيكون أكثر المتضررين أبناء تعز . فالجنوب أغلق أبوابه أمامهم ، والشمال تحكمه عصابة عنصرية لا تقبل أحدا .
وبسبب من ذلك يجب أن يدرك هؤلاء أن الوحدة الوطنية حق وواجب وطني وفي سبيلها يجب تذليل المشاكل بالحوار والنوايا الطيبة . إن توحد أبناء تعز في الزمن اليمني الرديء يعوض على اليمن وعلى الشعب بعض الخسارات ويعيد تصويب البوصلة إلى حيث بؤرة الصراع الحقيقي ويزيل الغبش الذي تراكم حول حقيقة تبعية البعض للأعداء الذين يسعون إلى ضرب النسيج الاجتماعي والسياسي في تعز .
والسؤال الذي يجب أن يطرحه أبناء تعز على أنفسهم : هل نريد من تعز أن تكون مشروعا وطنيا أم محطة لتمرير المشاريع الإقليمية العابرة والمتجولة في المنطقة ؟ جميع الأطراف حتى الآن وصلت إلى مفترق طرق غامضة أشبه بمتاهة عمياء ، لأنها ذهبت في المكابرة إلى أقصى درجاتها . يتضح ذلك من النهج التصعيدي الذي خرج عن كل الأطوار في الخطاب السياسي والاجتماعي .
يفترض أن الجميع تعلم الدرس وعرف الفارق بين التنضير والأماني وبين إدارة التوازن بين الأولويات وتسخير الإمكانات لصالح دورة الحياة الخاصة بالمواطن . أضحى الجميع أمام مأزق وهم عاجزون عن تجاوز ما جندوه لخدمة مشاريعهم الصغيرة ولذلك أصبحت الكلفة عالية . يفترض أن تحول هذه القوة الفائضة لصالح المشروع الكبير ، مشروع الدولة والتأسيس لها في تعز لتكون قدوة لبقية مناطق اليمن .
يواجهنا سؤال آخر موجع : كيف لأحزاب كبيرة تأسست في تعز واحترفت التعالي والتسامي من أجل اليمن تحولها الخلافات الجانبية إلى عشائر وقبائل ؟ يجب أن تتعالى هذه الأحزاب عن الجراح العميقة والمؤلمة لأن اليمن تستحق أن نتواضع لأجلها وأن نقنن خلافاتنا أو نديرها بطريقة حضارية تليق بتعز وأبنائها .
تعز مؤهلة لحوار لا يتجاوز دائرة الضمير الوطني وأخلاقه ، لكي يرسي معادلة قداسة الدم وحرمة الاقتتال وحصر الخسائر بتلك التي دفعتها تعز في مواجهتها مع الحوثي . على أبناء تعز أن يعيدوا إلى ضمائرهم تلك المساحة الخلاقة من المحبة والتسامح . كيف لأبناء تعز الضحية أن يتصارعوا ويتقاتلوا ويتقاسموا ويتنابذوا فيما العدو أمامهم وخلفهم وعلى شوارعهم وفي الجبال والوديان ؟
المطلوب ترميم ما تشقق وبناء ما تهدم . يجب أن يبني الجميع مصالحهم على أساس المصلحة العامة التي تخدم الناس . وليرفع الجميع شعار : نعم لوحدة تعز على قاعدة الوحدة قدر ، والانقسام خدمة لمشاريع عابرة .
لا تحتاج تعز إلى الاقتتال نيابة عن الحوثي . ولا تحتاج إلى تنفيذ مخطط التهجير الذي رسمه الآخرون لينفذه أبناء تعز بجهل واقتدار منقطع النظير .
وصل الصراع في تعز إلى مرحلة مرعبة لم يصل إليها من قبل . هناك من يريد لتعز أن تنزلق إلى الفوضى والحرب الأهلية . هؤلاء لا يهمهم مصلحة المواطن الفقير المعدم المسحوق فهو آخر اهتمامهم . نكرر دعوتنا للمصالحة بين المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري والبعث في تعز ، مها انزعجت القطط السمان التي تتضخم أموالها المحرمة في البنوك الخارجية .
عودا على بدء أقول سيكون الحكماء في تعز أكثر من الحمقاء وسيجنبون التربة الصراع لأنها ما تبقى لتعز من الأمن والاستقرار وسيتفقون فيما بينهم على :
١. إخراج كافة المعسكرات إلى جبهات العز والشرف في مواجهة عصابة الحوثي الإرهابية .
٢. تمكين الأجهزة الأمنية من عملها في الحفاظ على الأمن وإعطائها صلاحيات تضرب بيد من حديد كل من يعرض الأمن العام للخطر .
٣. تنفيذ كل القرارات الصادرة من الهيئات العليا والسلطة المحلية .فلو اتفقنا على مصلحة المواطن ، فلا يهم بعد ذلك من يكون رئيس السلطة المحلية ولا من هو قائد هذا المعسكر أو ذاك ؟