الخميس ، ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ ساعة ١٠:٢٩ صباحاً

على رصيف الأمل  

ثلاثة أطفال على رصيف الامل .. جمعتهم هذه الصورة ـ بعد أن جمعهم هم العيش المشترك ـ والسعى للحصول على المال لتوفير أدنى الاحتياجات الضرورية لأسرهم ـ. لا أحلام ولا اماني حاضرة أو مستقبلية لديهم ـ فقط همهم وحلمهم اليومي هو : العمل والكسب من أجل توفير لقمة العيش اليومية لأسرهم التي تعتمد عليهم .

 

ـ اجتمعوا على هذا الرصيف ليستريحوا قليلا من عناء المشي في الشارع " شارع الرقاص حي هائل " الذي يقصدونه كل يوم للحصول على المال من خلال هذه الاشياء التي يحملونها : 

. يوسف ميزان إلكتروني

. عبدالعزيز صحن المجلجل "حلاوة السمسم "

. محمد الليم الحامض 

جلسوا على هذا الرصيف يتبادلون الضحك والمعلومات والمتعلقة بحركة السوق ـ وكم كسب كل واحد منهم منذ صباح اليوم وحتى ساعة جلوسهم على الرصيف ـ حيث كانت الساعة تشير الى الحادية عشر والنصف قبل ظهر يومنا هذا الاحد . 

حين اقتربت منهم وألقيت عليهم التحية ـ ردوا السلام ـ واخذ كل منهم يقدم لي عرضه لبضاعته التي يحملها ـ حيث باشرني الطفل محمد بقوله : اهلا يا عم ليم حامض طري الكيس 250 ريال ـ 

تلاه مباشرة الطفل إدريس : اوزن يا عم ـ اوزن حتى على حسابي ـ ثم قام عبدالعزيز وقدم لي الصحن الذي يحمله وقال : اشتري مني مجلجل يا عم. ـ غذي نفسك وغذي عيالك .

طلبت منهم الجلوس ـ وخاطبتهم : ماشاء الله عليكم يا شباب تطلبوا الله ـ كيف السوق ـ ردوا جميعا الحمدلله ـ واردفها عبدالعزيز بعبارة : مشي حالك السوق اليوم راقد ـ ـ وقف رجل الى جوارنا وسأل : بكم الليم يا ولد إلتفوا اليه واخذ كل واحد يقدم عرضه وبنفس الطريقة التي قدموها لي .

انصرف الرجل بعد ان أخذ حاجته من محمد ـ بعدها خاطبني عبدالعزيز. : وانت يا عم ايش تشتي ـ هيا خرج الزلط ـ قلت ما اشتي شيء ـ بس ممكن اخذ لكم صورة ـ رد ادريس : ليش ? ما عتفعل بالصورة ? ـ رد عليه محمد : هذا يمكن أنه من البلدية ـ رديت عليهم سريعا : لا لا انا مش من البلدية ـ بس قلت اشتي اصوركم واكتب عن رجولتكم وكفاحكم واعتماد كل واحد منكم على نفسه ـ انتم أبطال وانا اشتي اولادي يكونوا مثلكم يصرفوا على انفسهم بدل ما يجلسوا بالبيت .. بالعطله الدراسية يشغلونا. 

الطفل عبدالعزيز : يا عم انت مابوش معك عمل ـ خلينا نروح نطلب الله ـ اشتي أجمع حق الرز والخضرة من شان الغداء للبيت ـ قلك أبطال تصرفوا على انفسكم ... معك خبر يا حاج .

قاطعنا الطفل محمد . مخاطبا رجل مر من جوارنا بعبارة : اهلا يا عم تشتي ليم طري من حق اليوم رخيص ـ لم يلتفت الرجل لحديث محمد ـ فعاد محمد وقال هيا يا شباب خلوا الراجل يعملنا صورة ـ عادي ايش يعقع ـ بعدها قال لي الطفل أدريس : انت تشتغل مع القناة اللي توزع جوئز ـ رد عليه عبدالعزيز ـ ايش من قناة وايش من طلي قدك تشوف الراجل ماسك تلفونه ويقلك يشتي يوري عياله اللي جالسين بالبيت يشغلوه ـ اللي يشتغلوا بالقنوات يجي معاهم كاميرات كبيرة ومعه اثنين جنيه ... المهم اخذت لهم الصورة ـ بعدها قام عبدالعزيز ـ ذهب ليقف أمام محل لبيع الخضار ـ واخذ يقدم عروضه للواقفين امام بسط الخضار ـ وقبل أن ينصرف محمد بائع الليم سألته : أنت تشتغل من اجل تصرف على نفسك ـ قال لا ـ انا أساعد والدي لأن مصاريف البيت كثير وما يقدر عليها وحده وانا اخرج معه كل يوم ـ بعدها انصرف محمد واخذ يعرض بضاعته على المارة بالشارع .

إلتفت إلى الطفل ادريس صاحب الميزان ـ وسألته وانت تشتغل من أجل نفسك او من أجل أسرتك ? ـ فقال : انا اشتغل بهذا الميزان ومعي أخي الصغير يشتغل بشارع عشرين معه ميزان مثل هذا ـ كل واحد مننا يشتري حاجة للبيت سكر او رز او شاهي او دقيق او زيت او حفاظات لاخي الصغير ـ والباقي ترفعها أمي اذا في معنا مرض او اي حاجة ضروري ـ ونحن اذا نشتي نشتري لنا جعالة او ثياب. أو دفاتر للدراسة نكلمها وهي تشتري لنا .

ذهب الطفل إدريس في سبيل حاله وبقيت مكاني أتامل واتفكر في معاناة هؤلاء الاطفال الثلاثة ـ وكيف تعايشوا مع هذا الوضع واصبح كل واحد منهم لديه قضيته الخاصة التي يكافح من اجلها ـ دون أن تكون له احلام او طموحات اكثر من تلك الاماني البسيطة في توفير ادني احتياجات القوت الضروري لاسرهم .

اطفال بعمر الزهور يعملون بكل جد ومثابرة فيما هم مؤمنين به " مطتلبات العيش للاسرة " ـ متحملين بذلك مسؤلية كبيرة وثقيلة يعجز الكثير من الناس ومن الشباب ايضا عن تحملها في ظل الظروف المأساوية التي نعيشها في هذا البلد ـ لكنني أيقنت أن أطفالا كهؤلاء ـ لا يمكن للمستقبل أن يخذلهم ـ أو ينتصر عليها أو يمر خلسة من وراء ظهورهم ـ فهؤلاء الفتية ـ سيصمدون وسيقهرون المستحيل ـ بعد أن رأيت على وجوههم ـ إرادة الكبار ـ وعزيمة الرجال في خوض غمار الحياة من باب الكفاح والسعى الحلال لتوفير احتياجاتهم واحتياجات اسرهم الفقيرة .