رحل المساح
مات بعيدًا في قريته كغريب منفي في وطن من غير تماس مات وحيدًا إلا من خوف أوحشه وهموم ظلت تحرسه من عين الشمس وضوء الفجر وصوت الناس
مات المساح مات... وماتت معه أحلام البسطاء وآمال الفقراء وكل اللحظات التي لملمها في رحلته لحظات ناداها طويلًا واستوقفها لتعلمنا فن الإحساس
رحل المساح وما رحلت كلمات وعبارات كان يسطرها ويخط سناها في ذاكرة الوقت وفي لحظات الحزن وفي لحظات الخوف أو في لحظات كادت أن تحبس عنه الأنفاس
مات المساح يا معشر قومي ورفاقي يا فقراء العصر يا فلاحي الأرض يا عمال يا من سار على الدرب يا من حفظ العهد وأوفى بالوعد وناضل من أجل قضيته بالحرف وبالكلمة مدنيًا من غير سلاح أو متراس هذا موعدنا فاتحدوا كي نحيا فوق الأرض ونزرع أزهار الحب ونحمل باقات الأحلام ونهديها لعيون كانت ترصدنا مثل عيون الحراس
مات المساح فقيرًا في منفاه في قريته ومسقط رأسه معزولًا ووحيدًا من غير طعام وشراب من غير دفاء ولباس
مات المساح بعد حياة حافلة بالإثراء وبالآراء بعد جهود مثمرة بعد كفاح ... من أجل قضايا الناس ومن أجل حقوق الناس ومن أجل ثوابت أجمعنا فيها وعليها وأمور أخرى قد نخضعها للمقياس
مات المساح في زمن الحرب في لحظة قهر وحنين في لحظة خذلان وتجاهل من رفقاء الدرب من الزملاء من الأقران ومن كل الأصحاب من الأقلام من الإعلام من الساسة والقادة والوزراء والفقهاء والعلماء ومن حضرات القداس
مات المساح في هذا العصر عصر السوق الحر والاستثمار عصر الفتنة والشر موسم بيع وشراء ومواقف للاتجار لا يحيا فيه إلا من كان عديمًا للأخلاق عديم القلب مفتقرًا للحب وليس لديه أساس
مات المساح زاهد هذا العصر وراهب هذا الدرب وناسك دين الحب حلاج الفقراء وقطب الشرفاء مات المساح وسفينته تائهة في البحر يغشاها الليل وتصارعها الأمواج تبحث عن نجم يهديها وشراع يحميها أو يوصلها لمراس