الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ ساعة ٠١:٢٩ مساءً

زوجة المرحوم!

فكري قاسم
الأحد ، ١٩ يناير ٢٠٢٠ الساعة ٠٥:٢١ صباحاً

اعتقلته مليشيات الحوثي سنة 2016 بدافع الاشتباه ووضعته في سجن مدينة الصالح في الحوبان بمحافظة تعز، وعلمت أسرته بالأمر، وظلت تلاحق قضيته من مشرف حوثي إلى آخر دون جدوى، وبعد سنتين من الإخفاء القسري نشرت جماعة الحوثي صورة السجين "ر، خ" ضمن صور المعتقلين الذين توفوا على إثر غارة لطائرات التحالف التي ضربت المخزن الذي استخدمته مليشيات الحوثي كسجن، ودخل الحزن الكبير إلى قلب الأسرة المكلومة التي استقبلت خبر وفاة ابنها المظلوم بحُرقة وألم كبيرين، وأقامت له مراسيم عزاء من دون استلام جثة كأي مصير قاسٍ في بلاد تحكمها مليشيات بلا مروءة.

كان "ر، خ" سواق باص يكافح في سبيل لقمة عيش طفليه وزوجته ولا علاقة له بالسياسة، ولا ينتمي لأي من أطراف الصراع، ولمجرد الاشتباه، فقط، انتهى به الحال مجرد صورة للذكرى معلقة عرض جدار غرفة النوم تشاهدها زوجته الأرملة كل يوم بعينين باكيتين بينما كانت ملامح اليتم قد أخذت طريقها بالتشكُّل في وجهي طفليها الصغيرين اللذين يواجهان مصيراً مجهولاً في رعاية أرملة لم يعد لديها من ضمار في الحياة غير الصغيرين اليتيمين، وهناك في اليمن عموماً عادة اجتماعية تكافلية لا أعرف إذا ما كانت جيدة أم سيئة.

بمجرد أن يموت أحد الأبناء ولديه زوجة وأطفال يتم تزويج الأرملة لأي قريب آخر مضمون من العائلة، حرصاً على الستر، وعلى عدم شتات الأسرة وضياع الصغار، وتحت تلك الحسابات الإنسانية البحتة تم تزويج أرملة المرحوم "ر، خ" على أخيه بعقد نكاح شرعي جديد على سُنة الله ورسوله، وسارت الأمور من بعد ذلك على ما يرام وبعد سنة أنجبت من الأخ ولداً جديداً سموه "ر" تيمناً باسم المرحوم، لكن مفاجأة غير متوقعة حدثت وأربكت كل شيء!

أفرجت مليشات الحوثي، مؤخراً، عن عدد كبير من الأسرى والمعتقلين في سجونها وكان من ضمنهم السجين "ر، خ" الذي عاد إلى البيت بعد ثلاث سنوات من الغياب والانقطاع التام، مشتاقاً لأطفاله وزوجته دون أن يكون في حسبانه أن كل شيء قد تغير بطريقة صادمة أفقدته القدرة على التفكير وأفقدت الزوجة الحائرة القدرة على التصديق!

ولو كنت أنت مكان المرحوم العائد إلى الحياة ما الذي سيتعين عليك فعله؟! ولا أعرف ما هو رأي الشرع في مثل هذه الحالة المُعقَّدة؟ والسؤال موجه إلى مفتي الديار الإسلامية في العاصمة صنعاء اسكه قُلي بحجر الله ما هو رأي الشرع عندكم في مثل هذا الأمر يا حبوب؟ إسكه قُلي يا أخ عبد الملك الحوثي، زوجة المرحوم ترقد مع من ذلحين؟ ما أعرفه وأبدو متأكداً منه أن هذه قضية واحدة فقط من قضايا كثيرة لجملة من ممارسات الاضطهاد وقلة المروءة وسوء استخدام القوة واغتصاب السلطة لتعذيب الناس ولخبطة حياتهم في بلاد حزينة كسيرة لا يختلف حالها أبداً عن حال زوجة المرحوم! على أن كل السجانين في كل فروع المليشيات التي تتحكم بمصائر الخلق داخل هذه البلاد المغتصبة واحدة في سلوكها، وكل اليمنيين الذين عاشوا هذه السنوات الكئيبة من الزمن المليشاوي هم في واقع الحال نماذج مختلفة من عذابات زوجة المرحوم.

ولا أعرف صراحة ما هو رأي الشرع في مليشيات مسلحة مختلفة كل طرف فيها يقول بأنه صوت الله، وأنه صوت الحق، وأنه الهادي المخول لأخذ الناس إلى الجنة، بينما نحن في حقيقة الحال شعب تائه ومحتار تماماً كما هو حال زوجة المرحوم واطست علينا الأمور وما عد احنا داريين نرقد في حِدف من!؟ في حِدف الله حق عبد الملك الحوثي مثلاً؟ وإلا نرقد في حدف الله حق الإخوان المسلمين؟ وإلا نبطل من الاثنين ونرقد في حِدف الله حق السلفيين؟ وإلا في حِدف الله حق القاعدة؟ وإلا في حِدف الله حق الدواعش؟ ما هو رأي الشرع يا أهل الشرع، اسكه قلولي؟

والمشكلة أن جميع هذه الفرق الدينية التي تتقاتل فوق رؤوسنا تقول بأنها عازمة على أخذنا إلى الجنة، بينما هي في حقيقة الحال مجرد جماعات دينية مليشياوية دمرت بلادنا، وشتّت شمل عائلاتنا، وجعلت حياتنا اليومية جحيماً لا يُطاق، وذلك الشرع الذي يتوطفون به لإحكام سيطرتهم على رؤوس الناس متشرذم متواطىء مع السفلة واحنا وزوجة المرحوم نعيش في هذي البلاد الآن أكبر لخبطة وأكبر عذاب إنساني في الحياة.