عشنا في هذه الأيام امجاد تأريخ الماضي واحتفل اليمنييون في كل بقاع العالم بالعيدين المجيديدن سبتبمبر واكتوبر الذي خط فيهم اليمنيين صفحتهم الاولى في تأريخ الحرية والكرامة. ويزيد ابتهاج اليمني واحتفائه بهذه المناسبة كلما زادت المسافة التي يعيشها اليوم مشرداً عن الوطن, كافراً بكل دعاوي الأمامة الجديدة ومؤمناً ان العاقبة للجمهورية وعقيدتها الراسخة في كل قلب يمني ينبض بالحرية. وقد كان لليمنيين في اقاصي شرق آسيا نصيبهم من الابتهاج والاحتفال بهذة المناسبات الوطنية الخالدة وتنوع احتفائهم بين ندوات فكرية واحتفاليات رمزية نظمتها مختلف المكونات اليمنية في ماليزيا الرسمية والمدنية. ورغم محاولة اليمنيين هنا بتوحيد الصف بقواسمه المشتركة الكبيرة في الوطنية والجمهورية والتعاون فيما بينهم لصناعة نموذج رائع مقتبس من هذه البلد الطيبة اهلها والتي ضربت للعالم نموذجاً في الحضارة والوطنية والتعايش رغم اختلاف الاجناس والديانات والمذاهب. الا ان هناك من لم يستطع الخروج من قوقعة الحزبية الضيق الى فضاء الوطن المتسع, مصرين على شق الصف الوطني وفرز ابنائه على اسس حزبية بدلاً عن استغلال هذه المناسبات الوطنية للملمة الشمل ووتركيز الجهود لمحاربة الإمامة الجديدة واستعادة جمهوريتنا المسلوبة, يتعاظم الأسى عندما تصدر هذه المماراسات من قيادات وطنية تتمركز في اعلى سلطة رسمية تابعة للحكومة الشرعية في ماليزيا وبشخصية السفير عادل باحميد.
لم يكن دور السفارة في هذا الجانب ظاهراً لكل ابناء الجالية في السابق ولطالما كانت الاعتبارات الحزبيه الممهنجه والدكتاتورية الناعمة التي تميز بها عادل باحميد ماليزيا تمارس بشكل خفي وبإستهداف فردي لاجمعي, خاصة بمن عرفوا بصوتهم المؤثر وتأريخهم النضالي في الاحزاب الاخرى وكان من الصعب تصديق هذه الممارسات لسبب واحد, وهو ان كل الجماعات الاخرى بما فيها الكيانات النقابية المدنية التي تمثل اليمنيين وصوتهم (كالجالية اليمنية واتحاد الطلاب واتحاد اللاجئين) منطوية تحت حزب الاصلاح وشكلت على ايادي السفيرالذي يعتبر من ابناء هذا الحزب والذي اهدر الكثير من جهدة ووقته في محاولة رسم كل هذه الكيانات وضمان صفها بجانب السفارة وتهميش دورها النقابي والحقوقي. بل وصل الحد الى متابعة وملاحقة كل من يتكلم على السفارة او السفير في وسائل الاعلام ومحاولة زرع آذان تنصت ترصد كل نقاش دائر تكون السفارة او السفير محور فيه سواء في اروقة المكتبات او على طاولات المطاعم. وهكذا استمر باحميد وجماعتة في مصادرة اصوات اليمنيين في ماليزيا حتى على ابناء حزبه الذين رفضوا مماراساته وتدخله في كل شؤون اليمنيين مصراً على تقديم مصالحه الشخصية على الحزب وتقديم الحزب على الوطن.
أخيراً, وبعد صبر ونصح غير مجديين, كان للطلاب والاكاديميين في ماليزيا صوتهم الاول في رفض هذه المماراسات الخفية وذلك في ليلة السادس والعشرين من سبتبمبر 2020 بالتزامن مع العيد الوطني المشهود حين اعلنت اربع جامعات في ماليزيا تظم الكتلة الأكبر من الطلاب اليمنيين فيها استقلالها من اتحاد الطلاب الذي يسيطر عليه حزب الاصلاح وحده لاشريك له على مدارالسنوات السابقة وشكلت هذه الجامعات بأبنائها الأحرار كيان جامع بإسم المجلس التمثيلي لطلاب اليمن في ماليزيا كمظلة جديدة لكل ابناء الوطن, مجردة من صيغة الاحزاب. هلل الطلاب اليمنيون بهذا الفجر الجديد الذي يمثل عودة النقابة الطلابية لدورها الحقيقي في الترافع عن حقوق الطلاب والمطالبة بحقوقهم المسلوبة وتمثيلهم امام الجهات الرسمية كمحامي دفاع بعد ان تغيب هذا الدور الجوهري واصبح الاتحاد مطية للحزب والسفير حتى تلاشت فيما بينهما اصوات الطلاب ومستحقاتهم.
كتم السفير وحزبه امتعاضهم من هذه الحركة الطلابية التصحيحية رغم محاولاتهم العديدة لفكفكة هذا الكيان الشامل وبشتى الطرق التي تضمن اخمادها دون ضجيج مفزع لبقية الكيانات الاخرى والتي مازال مرابط اعناقها بيد السفير. ولكن هذه المماراست الحزبية الظلامية سرعان مانقشعت اليوم حين قرر المجلس التمثيلي للطلاب بعمل احتفالية الكترونية استضاف فيها من الرموز الوطنية الكبيره من كل المشارب والتوجهات والاحزاب بما فيها الاصلاح نفسه والذي يعتبره شريكاً في الوطن وليثبت لأبناء اليمن حقيقة المشاركة الوطنية وحقيقة تحيز الكيان الطلابي لأي مسمى حزبي وقد كان السفير باحميد اول المدعوين للمشاركة في هذه الفعالية الذي فاجائهم بالاعتذار عن المشاركة او الحضور فيها, بينما اقام الاتحاد الطلابي - والذي لم يعد يمثل سوى القلة من الطلاب والمنتميين لحزب الاصلاح - فعالية مماثلة في الشكل لا في الجوهر. فقد تم استضافة شخصيات حزبيه من لون واحد يمثلهم ويعكس منهجيتهم في صعوبة قبولهم لمفهوم التعايش مع فئات الشعب الاخرى مثلما صعبت عليهم قبول الديمقراطية التي جسدها الطلاب في التصويت والانحياز للمجلس التمثيلي بديلاً عن الاتحاد. وكانت هذه هي المرة الاولى التي يظهر فيها السفير بصورته الحزبية الواضحة حين اعلن رعاية السفارة لفعالية الاتحاد والمشاركة فيها لمرتين بنفس الأسبوع, معلناً انحيازه الواضح وتحديه الصريح لكل الكيانات الاخرى وقواعدها الشرعية المنتخبة التي شكلت بعيداً عن ايادي السفارة او الحزب.
الجدير بالذكر ان السفير باحميد قادم من رحم النقابات الطلابية, فقد كان رئيس لاتحاد طلاب جامعة عدن على مدار ثمان سنوات خلال فترة دراستة لبكالوريس طب المجمتع فيها. ولطالما اكد في خطاباته - مستلهماً من تأريخه النقابي - على اهمية الحركات الطلابية والنقابية في الدفاع عن حقوق ممثليها وحمايتها من اي اختراق للسلطات او الجهات الرسمية عبر قياداتها المنتخبة. لكن كل هذه القيم والمفاهيم التي اكتسبها في رحلته النقابية الطويلة تغيرت مع تغير موقعه في الجهة الاخرى من الطاولة, بل انه استغل هذه الخبرة النقابية في السيطرة على الكيانات المدنية والطلابية بماليزيا لمصالح شخصية وحزبية مؤكداً النظرية النفسية القديمة ان من يصلوا الى السلطة عبر النضال بصفوف لقيم وشعارات معينه, كانت الديكتاتورية لهم اقرب وعدائهم لهذه الشعارات اعظم وخوفهم من هذه الصفوف هو الفازع الأكبر.