أرقام مذهلة للأموال التي ينفقها بعض الميسورين على العلاج في الخارج، ولو كان قد تم إنفاق القليل من هذه الأموال لتحسين وضع المستشفيات المحلية، والارتقاء بمستوى التمريض والمعالجة، لأوقفنا هذا الإهدار المالي والإسراف المشين في غير محله.
ومما تثبت هذه الحالة أننا نعجز ما نكون عن التفكير السليم والنظر إلى المستقبل بعين مستوعبة لما ينبغي استيعابه، وليست هذه الصرخة سوى أصداء لصرخات قديمة لم ينتبه إليها أحد، فقد اعتدنا أمام المشكلات أن نقف وقفة حيرة لا نتقدم معها خطوة إلى الإمام، وهي حالة جعلت من كانوا أقل منا وعياً وتطوراً يتقدموننا مسافات طويلة. فهل آن لنا، بعد كل ما مر من تجارب فاشلة في هذا الميدان، أن نعيد النظر ونبدأ في الارتقاء بمستشفياتنا، وأساليبنا العلاجية، وأن نستفيد من بعض ما ننفقه خارج أرضنا لهذا الهدف الوطني والاقتصادي؟ وهل آن الأوان أيضا للنظر في أوضاعنا عامة للخروج من حالة التخلف المهين والاقتداء بمن كانوا دوننا؟
إن الواقع المؤلم والمحزن الذي نعانيه يدفعنا دفعاً إلى التغيير وإعادة النظر عاجلاً لا آجلاً في أوضاعنا عامة، والوضع الاقتصادي خاصة. وما من شك فإن تحسين حال المستشفيات في مدننا العربية قد يحد كثيراً من الإنفاق على العلاج الخارجي ويعمل على تحسين الخدمات الطبية. وفي بعض الأقطار العربية ظهرت نماذج لمستشفيات تقوم بإدارتها هيئات مشتركة عربية وأجنبية، وأثبتت نجاحها، وحدّت إلى حد ما من سفر البعض إلى الخارج، وما يترتب عليه من متاعب الترحال، فضلاً عن إنفاق الأموال.
وقد يقول البعض إن الحديث عن هذا الموضوع وغيره في غاية السهولة، لكن تحويل التفكير إلى أفعال هو المطلوب. هذا مؤكد، إذ إننا لو كنا قد بدأنا الخطوة الأولى في هذا المجال، لتتابعت الخطوات ووجدنا أنفسنا بعد وقت قصيرة وقد تجاوزنا المصاعب المادية والمعنوية. ولنا كذلك أن نعيد النظر في عاداتنا اليومية وفي مأكلنا ومشاربنا. ومن المؤسف أن يكون الإسراف من طبيعة العربي، متجسداً أكثر ما يكون من المأكل، حيث تمتلئ موائد الموسرين بما لذَّ وطاب بما لا حاجة للجسم إليه، ولكنها العادة التي تتحكم في مشاعرنا وتجعلنا نستكثر مما لا يفيد ولا يغني، بل وما يتسبب من متاعب جسدية تدفع الأقلية الميسورة إلى السفر خارج الوطن وتبذير الكثير من الأموال.
إن الزمن يمرُ والحياةُ تتغير من حولنا لكننا لا نتحرك ولا نشعر بتأخرنا، ولا بأن الأماني وحدها غير قادرة على إيصالنا إلى حيث نريد. فالأماني والأحلام، مهما كانت جميلة وبديعة، إلا إنها لا نعدو أن تكون أحلاماً، وليست في استطاعتها أن تنقلنا من مكان إلى آخر. هكذا تقول الحقائق الواقعية، وهكذا تثبت. وكثيرٌ هم الحالمون الذين يكتفون بأحلامهم عن العمل، وقد قيل قديماً "إن الأحلام بضاعة الكسالى"، وهي التي تزين لهم ما هم عليه من ضعف وهوان.
والسؤال الذي تكرر كثيراً، وينبغي أن يتكرر أكثر، هو: متى تتحرر أجسادنا وعقولنا عن الكسل وننتقل من حال إلى حال؟ ويطيب لي في هذا المجال أن أتذكر شيئاً عن عالم النمل، هذه الحشرة الدؤوبة التي لا تتوقف عن العمل والتي تختزن طعامها تحسباً لكل التغييرات الطبيعية، وهي نموذجٌ صالحٌ للاقتداء لو كان في عالم البشر، الذين نقصدهم، من يقتدي أو يستفيد مما حوله من تجارب قادرة على أن تغير من سلوكه الملول والكسول.
*من صفحته على الفيسبوك