مع وصول اليمن إلى مرحلة قاتمة في الصراع الذي يبلغ اليوم عامه العاشر، لا يزال الوضع الإنساني مأساويا، حيث صار أكثر من نصف سكان البلد بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية مختلفة.
وكشف المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في بيان أصدره اليوم, عن احتياج قرابة 17.8 مليون شخص إلى مساعدات صحية ، نصفهم أطفال. يأتي ذلك مع غياب أي بوادر جدية للحلول السياسية خلال الأعوام السابقة.
وفي البيان, الذي حصلت منصة “الطبية” على نسخة منه, أبدت الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط تخوفها بقولها: ” يبدو الأمر كما لو أن الصراعات الجارية قد صارت جزءًا مقبولًا من حقائق الحياة اليومية في إقليمنا”. مشددة على ضرورة “أن نأخذ خطوة إلى الخلف، ونتذكر أن الأطفال الجوعى، وفاشيات الأمراض، وإغلاق المستشفيات كلها كوارث، وأنه يتعين عدم النظر إلى هذه الأمور بوصفها أحد مفردات الحياة الطبيعية”.
وفي ذات السياق قالت الدكتورة إيمان تاج الدين، من المختبر المركزي في عدن: “لقد دمر الصراعُ كل شيء؛ فقد أغلق العديد من المرافق الصحية أبوابه، وانتشرت الأوبئة، وعاودت أمراضٌ، مثل شلل الأطفال والكوليرا، الظهورَ، بعد أن ظُن أنها صارت جزءًا من الماضي. إننا نحب اليمن، ونتمنى أن يسترد عافيته ويتجاوز محنته”.
وعلى مدى سنوات الصراع التسع الماضية, كان ـ وما يزال ـ الأطفال، على وجه الخصوص ، عرضة لأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل شلل الأطفال والحصبة والسعال الديكي والدفتيريا، إلى جانب معانتهم من ارتفاع معدلات سوء التغذية بشكل مخيف.
وبحسب بيان الصحة العالمية فأن نصف الأطفال دون سن الخامسة أي ما يقرب من 2.4 مليون طفل يعاني من توقف النمو الذي تصفه المنظمة بـ “التقزُّم المعتدل إلى الشديد”.
و بعد تسع سنوات من الصراع، وتدهور الحصائل الصحية، وتدمير البنية التحتية يؤكد الدكتور أرتورو بيسيغان، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس البعثة في اليمن على أن “حياة الملايين من اليمنيين متوقفة على الاحتياجات الصحية والإنسانية الطارئة” وهو الأمر الذي يحد من قدرات المنظمة على “تحقيق التنمية المستدامة الشاملة” حد تعبيره.
وأضاف بيسيغان: “إن هذا الوضع يتفاقم بسبب الانخفاض الكبير في الدعم الدولي، وهو ما يجعل المجتمعات عرضة لظروف آخِذة في التدهور أكثر فأكثر. وكل يوم إضافي من هذه الظروف يؤثر على مستقبل الملايين لسنوات عديدة قادمة”.
وتعتبر اليمن واحد من أكثر دول العالم تأثرًا بتغير المناخ، وهو في الوقت نفسه واحد من أقل الدول استعدادًا لمواجهة آثار هذا التغير. حسبما يوضح بيان المنظمة, الذي أرجع السبب الرئيسي للنزوح الجديد في اليمن عوامل مرتبطة بالمناخ، لا سيما الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة.
ولا يزال نحو 4.5 ملايين شخص نازحين داخليًّا في الوقت الحاضر، مع الإشارة إلى أن النساء والأطفال يشكلون قرابة 80% من هذه الفئة السكانية المتضررة. بحسب آخر إحصائية صادرة عن المنظمة.
ورغم الضغوط الكبيرة على الموارد ونقص التمويل أكدت الصحة العالمية، أنها تدعم حاليًّا 96 مركزًا للتغذية العلاجية (بطاقة سريرية تكفي لخدمة نحو 30000 طفل سنويًّا) وتقدم أيضًا خدمات فحص التغذية في أكثر من 270 مديرية. وتحقق هذه المراكز نتائج مبهرة، كما تصفها, حيث تصل معدلات الشفاء فيها إلى 96%، وهي معدلات أعلى كثيرًا من المعايير الدولية.
وقالت المنظمة أنها وفي عام 2023، واصلت تقديم دعمها إلى 114 مرفقًا أساسيًّا وشاملًا من أجل رعاية التوليد والمواليد في حالات الطوارئ، وذلك بتوفير الأدوية والإمدادات ومعدات الرعاية الصحية الأساسية للأمهات. وبالإضافة إلى ذلك، ظل 333 فريقًا من فرق الاستجابة السريعة منتشرة في جميع أنحاء اليمن لضمان الاستجابة للفاشيات في الوقت المناسب. وأجرت هذه الفرق أكثر من 69000 زيارة ميدانية.
وأبدت المنظمة قلقها إزاء انخفاض التمويل بنسبة 45%، في السنوات الخمس الماضية، في وقت تحتاج فيه المنظمة إلى 77 مليون دولار أمريكي خلال عام 2024 لتقديم المساعدة الصحية الأساسية.
وأضافت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، قائلة “إن الاحتياجات الصحية ملحَّة، لكن نقص التمويل مُزمِن. وتظل المنظمة ملزمة بإعطاء الأولوية للخدمات الصحية اللازمة على قدم المساواة لإنقاذ الأرواح، وهي قرارات يصعب البت فيها للغاية. ونحن ممتنون بالتأكيد للمانحين على دعمهم على مر السنين، ولكن لا بد من التأكيد على مدى الحاجة إلى الدعم الآن. وأؤكد أننا ماضون قُدمًا في إثبات أنه يمكن تحقيق حصائل صحية جيدة للغاية، عندما تتاح لنا فرص الوصول إلى من يحتاجون إلى المساعدة، وتتوفر لنا الموارد اللازمة لأداء مهامنا”.