سورة البقرة هي أطول سور القرآن الكريم، وتتكون من 286 آية وتشمل نحو 49 صفحة من المصحف، وهي سورة مدنية بالإجماع ما عدا الآية (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) قيل أنها نزلت في مكة وتحديدا في حجة الوداع.
وتعد سورة البقرة من أكثر السور القرآنية التي اخذ عليها المستشرقين مطاعن عديدة ، حيث كان البعض منهم يقول أنها سورة طويلة جدا ومواضيعها غير متناسقة أو مترابطة، وغيرها من المطاعن، بينما ذهب آخرون للقول أن سورة البقرة لا يوجد ترابط بين آياتها ، فهي سورة كلها أحكام، بين رد عليهم علماء المسلمين بالتأكيد على أنه لا يوجد كلمة فى القرآن ليس لها حكمة، بل كل كلمة لها حكمة وترابط مع غيرها لأنه كلام رب العالمين سبحانه جل شأنه.
سبب التسمية
قام شخص من بني إسرائيل بقتل شخص آخر، ولم يعرف حينها من القاتل ، فذهبوا لنبي الله موسى عليه السلام وسألوه عن القاتل وطلبوا منه التواصل مع الله لكشف هوية الجاني.
جاء رد الله على نبيه موسى، بان يأمرهم بذبح البقرة الصفراء، فاعتبروا طلبه استهزاء بهم، حيث قالوا: "أتتخذنا هزوا"، وظلوا يماطلوا ويتلكأوا كعادة بني إسرائيل.
وبعد ما ذبحوا البقرة، أمرهم الله بأن يضربوا الشخص المقتول بعظم البقرة الصفراء المذبوحة، حينها أعاد الله المقتول للحياة مجددا، وقال من الذي قتله، "فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته ..".
تعد القصة معجزة من معجزات الله لتبيان قدرته جل شأنه.
الحكمة في ترابط قصصها ومواضيعها
تنقسم سورة البقرة إلى جزئين، الجزء الأول عبارة عن 3 قصص لـ3 خلفاء فى الأرض .
الخليفة الأول: آدم عليه السلام
قال تعالى: "إني جاعل فى الأرض خليفة"، كلفه الله تكليف وكانت النتيجة إنه عصى ثم أطاع وأجاب "وعصى آدم ربه فغوى"
الخليفة الثاني: بنى اسرائيل
قال تعالى: "ولقد اخترناهم على علم على العالمين"، كلفهم الله تكليف ، وكانت النتيجة 0%، فقد عصوا ربهم ونبيهم وارتكبوا كل المعاصي.
الخليفة الثالث: إبراهيم عليه السلام، "إنى جاعلك للناس إماما"، كلفه الله بتكليف، فكانت النتيجة 100% وأطاع تمام الطاعة .
الجزء الثانى من سورة البقرة كله أحكام، أحكام الصيام والقصاص والأسرة وتحريم الربا وأحكام الدين والإنفاق .
أنزل الله في الجزء الأول من سورة البقرة قصص الخلفاء الثلاثة ، كعبرة وعظة ودروس للناس، ليتفكروا في قصص من سبقهم من الأمم، ويفقهوا الأحداث ويتدبروا عواقب كل أمة منهم. فهل تكونوا مثل بني آدم (تطيعوا وتعصوا)؟! أو كبني اسرائيل الذين "قالوا سمعنا وعصينا"؟!، أو مثل إبراهيم تطيعوا تمام الطاعة؟
لهذا السبب كان الجزء الأول من سورة البقرة يتضمن على قصص الثلاثة الخلفاء، وجاء بعده الجزء الثاني الذي تضمن الأحكام والتشريعات.
أواخر سورة البقرة
وفي آخر سورة البقرة، جاء قوله تعالى: "لله ما فى السموات وما فى الأرض وإن تبدوا مافى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ".
عند نزول هذه الآية، ذهب بعض الصحابة للنبي محمد صل الله عليه وسلم، وبكوا وقالوا: يا رسول الله أمرنا بالصلاة والصيام والزكاة فصبرنا وامتثلنا لأننا كلفنا بما نطيق، ولكن هذا تكليف بما لانطيق ، فقال النبي صل الله عليه وسلم: لا تكونوا كبني اسرائيل مع موسى قالوا سمعنا وعصينا ولكن قولوا سمعنا وأطعنا ، فلما قالوها وأكثروا منها مدحهم الله بقوله تعالى "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون " ، "وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ".
ولاحقا نزل التخفيف من الله عنهم بقوله "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت" .
ونختم موضوعنا هذا بدعاء الصحابة لله بقولهم: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "، بمعنى يارب لا تعاملنا مثل آدم لو عملنا مثله فنسينا التكليف او أخطأنا فتطردنا من جنتك .
"ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، بمعنى يارب لا تعاملنا مثل بني اسرائيل ، فالإصر هو الشيئ الثقيل على النفس، لإن الله قال لهم (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) .
"واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ".
والله أعلى أعلم