النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ”.. هكذا وصف القرآن الكريم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مرسيًا قاعدة شرعية في النظر والتعامل والتقدير لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يتزوجهن أحد بعده، “فهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد” كما يقول البغوي في تفسيره.
سيرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن في حلقات متتابعة، واليوم مع ابنة صحابي وزوجة النبي، حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها بنت الفاروق عمر بن الخطاب، وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي أرملة لصحابي توفى بعد ان هاجرت معه إلى المدينة.. فما هي قصة زواجهما؟
يروي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصة زواج اخته حفصة من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث اعتزم عمر أن يزوجها من أحد أصحابه بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة السهمي، فيروي عمر قائلًا: فلقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصَمَتَ أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، فكنت عليه أوْجَدُ منِّي على عثمان رضي الله عنه، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنكحتها إياه، فلقيَني أبو بكر فقال: لعلك وَجَدْتَ عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركَها لقبلتُها. رواه البخاري.
وكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة حفصة في العام الثالث من الهجرة، وقالت عنها عائشة كما روى الذهبي في سير أعلام النبلاء أنها كانت هي من تضاهيها شرفًا من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: قالت عائشة : “هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم”.
أما سبب تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة -كما ذكر أهل العلم- هو إفشاؤها لسره الذي أسر إليها حين وجدت معه أم إبراهيم في بيتها ويومها، قال تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ {التحريم:3}، قال البيضاوي: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه -يعني حفصة- [حديثا] تحريم مارية أو العسل، أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما [فلما نبأت به] أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث [وأظهره الله عليه] وأطلع النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أي على إفشائه [عرف بعضه] عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت [وأعرض عن بعض] عن إعلام بعض تكرما، أو جازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض.
وذكر القرطبي في تفسيره عن الكلبي قال: سبب نزول هذه الآية غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة، فطلقها تطليقة، فنزلت الآية وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
وعندما طلقها حزن عمر لذلك حزنًا شديدًا، فيروي الذهبي عن موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه ، عن عقبة ، قال : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ؛ فبلغ ذلك عمر ، فحثا على رأسه التراب ، وقال : ما يعبأ الله بعمر وابنته ، فنزل جبريل من الغد ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله عنهما.
وروي كذلك عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلِّق حفصة رضي الله عنها فجاءه جبريل عليه السلام فقال: “لا تطلِّقها، فإنها صوَّامة قوَّامة، وإنها زوجتك في الجنة”.
توفيت حفصة رضي الله عنها في عام الجماعة سنة 41 هجريًا، وقيل توفيت عام 45 من الهجرة.
اذا اتممت القراءة شارك بالصلاة على الحبيب صل الله عليه وسلم