السبت ، ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ ساعة ١٠:٤٦ صباحاً

تدخل عاجل لأكبر المؤسسات التمويلية في العالم لصرف مرتبات الموظفين المنقطعة في اليمن ومصادر تكشف سبب التأخر في استئناف الصرف

عام آخر استقبله مئات الآلاف من اليمنيين من دون رواتب في ظل تدهور معيشي لم يعد كثير منهم قادراً على تحمله، إذ كان لقرار الحكومة في سبتمبر/أيلول من العام 2016 القاضي بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، تبعات كارثية على الموظفين المدنيين في الدوائر والمؤسسات العامة نتيجة توقف رواتبهم منذ أربع سنوات واستقبالهم العام الخامس دون حل لأزمتهم.

ويعيش هؤلاء الموظفون كل عام على أمل حل أزمة رواتبهم المتوقفة، مع تواصل فشل مختلف الجهود والمحاولات المحلية والأممية لحلحلة هذا الملف الشاق الذي أصبح ورقة في الصراع الدائر، في بلد تصنفه الأمم المتحدة بأنه يعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم.

في السياق، يتحدث الموظف في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فواز عبادي، لـ"العربي الجديد"، عن توقف صرف الرواتب الذي يصفه بالقرار المشؤوم، وأنه "أسوأ ما حدث في هذه الحرب لليمنيين الذين باستطاعتهم تحمل نيران الصراع والقصف والانفجارات، لكنهم غير قادرين على مواصلة حياتهم بعد ما فقدوا رواتبهم وأعمالهم".

وكان لهذا القرار تبعات كارثية على الموظف في وزارة التخطيط، عبد الرحمن عبد الله، الذي نتيجة عدم قدرته على تحمل نفقات ثلاثة من أولاده التعليمية، وجدهم يتسربون من بين يديه ومن مدارسهم وجامعاتهم إلى خارج العملية التعليمية، وهذه إحدى كوارث هذه الحرب التي حسب حديثه لـ"العربي الجديد"، لم تساهم في تدمير معيشة الناس فقط، بل رفع نسب التسرب من التعليم وتعميق الاختلالات القائمة في سوق العمل وتوسيع رقعة الفقر والبطالة.

ويعيش نحو 600 ألف موظف حكومي للعام الخامس على التوالي في معاناة قاسية بسبب توقف رواتبهم وانقطاع السبل بهم مع عدم وجود أي مصادر دخل أخرى، إذ يعيلون أسراً يقدر عددها بنحو 5 ملايين فرد.

 

واضطر كثير منهم إلى خوض غمار حياة شاقة منذ توقف الرواتب في سبتمبر/أيلول في العام 2016، والخروج إلى الشوارع والأسواق للبحث عن عمل لإعالة أنفسهم وأسرهم.

ويرى خبراء أنه كان بالأحرى من جميع الأطراف تحييد المؤسسات المالية ورواتب الناس عن الصراع الدائر، إذ لم يعد مئات الاَلاف من الناس قادرين على الصمود في ظل وضع قاتم وسوق صعبة وأعمال شحيحة ومصادر دخل منعدمة وعملة منهارة تسببت في ارتفاع التضخم وأسعار السلع إلى مستوى يفوق قدرات نسبة كبيرة من السكان في اليمن.

وتتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بنسف كل الجهود التي كانت قد شهدتها في وقت سابق من هذا العام مدينة الحديدة الساحلية (غرب).

وقال مسؤول حكومي، فضل عدم ذكر اسمه، إن استمرار الحوثيين في استخدام المبالغ الموردة إلى هذا الحساب وعدم إيصال الإيرادات الحقيقية المفترضة ومواصلة ملاحقتهم ومنعهم تداول العملة الوطنية الجديدة يساهم في معاناة مئات آلاف الموظفين المدنيين الذين باتوا، وفق حديثه، بمثابة أسرى حرب لدى الجماعة.

وأضاف المسؤول لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة تعاني عجزاً مالياً كبيراً سببه الرئيسي تشتت الموارد العامة وعدم جريانها في القنوات الرسمية المحددة لها واستغلالها من قبل جماعات وفئات غير شرعية، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على التعامل مع كثير من التزاماتها في توفير الخدمات العامة وصرف رواتب الموظفين خصوصاً في مناطق نفوذ الحوثيين والمساهمة في التخفيف من معيشة اليمنيين المتفاقمة.

   

وكانت الحكومة اليمنية قد قدمت نهاية العام الماضي مبادرة للأمم المتحدة بتخصيص المبالغ المحصلة من الجمارك والضرائب على المشتقات النفطية في مناطق سيطرة الحوثيين لدفع رواتب موظفي القطاع العام هناك.

وتم ذلك بالتوافق مع مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لكن إجراءات الحوثيين بمنع تداول العملة المطبوعة حديثا، أدت إلى توقف المباحثات التي استهدفت وضع آلية عملية لاستغلال هذه المبالغ لدفع الرواتب.

ويتفق مراقبون مع دعوات مسؤولين حكوميين حول ضرورة توقف الحوثيين عن تعطيل وإعاقة الجهود الرامية لحل مشكلة المرتبات العامة، والتعاطي الإيجابي في مسارات الاتفاقيات المتعلقة بهذا الشأن، مثل تقديم كامل الوثائق المطلوبة للحصول على تصاريح مرور سفن الوقود، وعدم اخفاء إشعارات التوريد النقدي للرسوم العامة على بعض الشحنات وعدم الإعلان عن أرقام تقل عن الرصيد الحقيقي لما يجب أن يستخدم في تغطية صرف رواتب الموظفين المدنيين. ويرى مسؤول في بعثة الأمم المتحدة في صنعاء، ضرورة احتواء الصعوبات التي تحول دون صرف رواتب الموظفين المدنيين الذين يواجهون أوضاعاً معيشية صعبة ومحبطة.

وحسب المسؤول الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن اتفاق استوكهولم تضمن بندا اقتصاديا يفضي إلى حل مختلف ما نشاهده من إشكاليات اقتصادية عديدة وبما يؤدي إلى تخفيف معاناة جزء كبير من اليمنيين، إذ إن أغلب هذه الإشكاليات فنية وتتطلب إرادة من قبل الأطراف المعنية لرفع المعاناة عن كاهل مئات الآلاف من الموظفين تقطعت بهم السبل بسبب توقف مصادر دخلهم.

   

حسب كشوفات آخر عام قبل الحرب فقد بلغت فاتورة الأجور والرواتب في اليمن حوالى 75 مليار ريال شهرياً (الدولار = 250 ريال) منها 50 مليار ريال لموظفي الخدمة المدنية بينما تبلغ معاشات المتقاعدين 5.4 مليارات ريال شهرياً يستفيد منها 124 ألف متقاعد.

ويرى الباحث الاقتصادي، منير القواس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه بإمكان عائدات النفط والغاز تغطية رواتب موظفي الدولة ولن يقتصر الأثر الإيجابي لاستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز على دفع الرواتبت، بل سيمتد إلى كل المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية بما في ذلك تمويل واردات السلع الأساسية بسعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي اليمني، إضافة إلى تهدئة تقلبات سعر الصرف والحد من موجات التضخم واستئناف الدورة النقدية في الاقتصاد الوطني وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية.

خلال العامين الماضين وضعت مقترحات عديدة للنقاش فيما يخص إيجاد مخرج لصرف رواتب الموظفين في إطار برنامج عام لمعالجة تفاقم الأوضاع الإنسانية.

وكان من ضمن هذه المقترحات أن يقدم البنك الدولي "قرضا سياديا مضمونا" لليمن يوضع في البنك المركزي لدفع مرتبات موظفي الدولة، مقابل ضمان ذهاب عائدات صادرات النفط الخام "المورد السيادي" لسداد القرض، ويلتزم طرفي الصراع بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لإنتاج النفط والغاز وضخه إلى موانئ التصدير في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف.

ويشير القواس إلى أن كل هذه المقترحات اصطدمت بعجز الحكومة وتقويضها ومنعها من استعادة منشآت إنتاج وموانئ تصدير النفط والغاز التي تخضع اغلبها لسيطرة دولتي التحالف بالأخص الإمارات