سنويا، يشهد القسم الشمالي المطل على المحيط الأطلسي من القارة الأميركية العديد من الأعاصير التي قد تكون أحيانا مدمرة فتتسبب في خراب واسع لتسفر بذلك عن خسائر مادية وبشرية جسيمة.
فإضافة لإعصار ميتش (Mitch) الذي أسفر عن وفاة أكثر من 10 آلاف شخص وخسائر قدرت بنحو 6 مليارات دولار وإعصار فيفي (Fifi) الذي أودى بحياة 8 آلاف شخص وانتهى بخسائر قدرت قيمتها بنحو ملياري دولار، شهدت السواحل الشرقية لفلوريدا عام 1715 إعصارا مدمرا غيّر تاريخ المنطقة. فإضافة لما سببه من خسائر جسيمة للإسبان ومستعمراتهم هنالك، أجّج هذا الإعصار العصر الذهبي للقراصنة.
سفن مؤمنة ضد القراصنة مطلع القرن الثامن عشر، كثفت إسبانيا من عمليات إرسال السفن نحو العالم الجديد أملا في جلب مزيد من الموارد الطبيعية والمواد الثمينة وعلى رأسها الذهب والفضة. وأثناء هذه الرحلة الطويلة، زوّدت السفن الإسبانية بالعديد من المدافع والجنود لحمايتها من القراصنة الذين لجأوا في السابق لمهاجمتها للاستيلاء على محتوياتها القيمة.
وفي مقابل تأمينها ضد هجمات القراصنة وسفن الدول المعادية، كانت سفن الإسبان غير مؤمنة ضد العواصف والأعاصير حيث عجزت الأخيرة عن مقارعة التقلبات الجوية الشديدة والأمواج العالية.
إعصار 1715 يوم 24 تموز/يوليو 1715، غادر أسطول بحري إسباني، تكون من 10 سفن بقيادة خوان إستيبان دي أوبيلا (Juan Esteban de Ubilla)، مرفوقا بسفينة فرنسية منطقة هافانا الكوبية باتجاه أوروبا. وخلال هذه الرحلة بين شمال القارة الأميركية وأوروبا، نقلت هذه السفن على متنها حمولة هائلة من الذهب والفضة والأحجار النفيسة بلغت قيمتها حينها 14 مليون بيزوس (pesos).
ومع انطلاقه، أبحر الأسطول الإسباني على مقربة من سواحل فلوريدا بينما فضّلت السفينة الفرنسية غريفون (Grifon) الابتعاد قليلا والتوغل بالمحيط.
بعد نحو أسبوع، مرّت هذه السفن بأسوأ فتراتها يوم 31 تموز/يوليو 1715 أثناء تواجدها ما بين كاب كانافيرال (Cape Canaveral) وفورت بيرس (Fort Pierce) بفلوريدا حاليا حيث شهدت المنطقة إعصارا مدمرا تقدم بشكل سريع مدمرا السفن الإسبانية الواحدة تلو الأخرى.
فلقيت في البداية سفينة نوسترا سينورا دي لا ريغلا (Nuestra Senora de la Regla) حتفها فغرقت ساحبة معها 200 شخص و120 طنا من الذهب والفضة نحو القاع وتبعتها سفينة سانتا كريستو دي سان رامون (Santa Cristo de San Ramon) التي غرق على متنها 120 بحارا.
أسفرت هذه الكارثة عن خراب الأسطول الإسباني وغرق نحو ألف بحار وفقدان كميات هائلة من الذهب والفضة والأحجار النفيسة. وفي مقابل ذلك، نجت السفينة الفرنسية غريفون بأعجوبة حيث تمكنت الأخيرة من تجاوز الإعصار على الرغم من فقدانها لعدد من أفراد طاقمها.
العصر الذهبي للقراصنة خلال الفترة التالية، تحوّلت المناطق المحاذية لسواحل فلوريدا لقبلة استقبلت العديد من البحارة حيث أقبل هؤلاء نحوها أملا في العثور على جانب من الكنز المفقود وجمع الثروة في وقت وجيز. ومع فشلهم في الحصول على الذهب المفقود قبالة فلوريدا بسبب استعادة إسبانيا للجزء الأكبر منه عقب إرسالها لسفن بحث عام 1716، قرّر كثير منهم البقاء بالبحر الكاريبي فتحوّلوا بذلك لقراصنة أرعبوا كل من أبحر بالمنطقة.
إلى ذلك، ساهم إعصار عام 1715 في تغذية النصف الثاني من العصر الذهبي للقراصنة الذي شهد بدوره بروز العديد من القراصنة التاريخيين من أمثال "اللحية السوداء" (Blackbeard) وبلاك سام بيلامي (Black Sam Bellamy).