قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إنها لم تحصل سوى على 21 مليون دولار من قيمة المساعدات المطلوبة، منذ إطلاق المناشدة في 22 و23 يناير، والبالغة قيمتها 76 مليون دولار لمكافحة آفة الجراد غير المسبوقة التي تجتاح شرق أفريقيا وتهدد الأمن الغذائي لملايين المواطنين، الذين يعانون أصلا من أزمة غذائية حادّة.
وفي مؤتمر صحفي مشترك لمنظمة الفاو ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في مقرّ الأمم المتحدة اليوم الاثنين، قال المشاركون إن إثيوبيا والصومال تواجهان أزمة هي الأكبر منذ ربع قرن، في حين لم تشهد كينيا أزمة مماثلة منذ 70 عاما.
وحذر المسؤولون من أن جنوب السودان وأوغندا معرّضتان للخطر، وثمّة قلق بشأن تكوّن أسراب جديدة في إريتريا وجيبوتي والسودان واليمن مع استمرار انتشار الجراد على جانبي البحر الأحمر.
تهديد الأمن الغذائي
وقال منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، إن 13 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال يعانون من انعدام الأمن الغذائي و10 مليون منهم يعيشون في المناطق المتضررة بسبب الجراد.
وأضاف لوكوك "إذا لم نجد حلا خلال أسبوعين أو ثلاثة فنحن قلقون من أن نجد أنفسنا أمام مشكلة خطيرة جدا، ولكن يمكن إحراز تقدم إذا تم التحرّك الآن، فالمعيق الأكبر هو المال.
وأشار لوكوك إلى أن أوتشا قدّمت 10 ملايين دولار من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، أملا في أن تحذو الدول حذوها وتقدّم الدعم المطلوب للمساعدة في التخفيف من آثار انتشار الجراد ومساعدة المجتمعات المتضررة.
وحول أسباب تفشي ظاهرة الجراد الصحراوي، ربط رئيس شعبة الطوارئ والتأهيل في الفاو، دومينيك بيرجون، بين هذه الظاهرة وتغيّر المناخ، وقال "إن السبب الرئيسي هو حدوث إعصاريْن في المحيط الهندي في مايو وأكتوبر 2018، وهو ما تسبب برطوبة عالية في المنطقة الواقعة بين اليمن وعُمان والسعودية التي يُطلق عليها "الربع الخالي" وهي منطقة لا يمكن الوصول إليها بسبب طبيعتها. وقد انتعش الجراد هناك وتكاثر بكثرة.
وأضاف أن الجراد ينتقل جنوبا وشمالا، وعندما وصل إلى اليمن جنوبا وجد بيئة خصبة كالرطوبة لوضع البيض. وعند موسم الجفاف في اليمن انتقل في يونيو 2019 إلى شمال شرق إثيوبيا وشمال الصومال وعادة ما ينخفض تأثير الجراد مع ارتفاع الحرارة والجفاف.
وقال بيرجون "إلا أن المشكلة هي أنه في السابع من ديسمبر حدث إعصار كبير وصل إلى تلك المناطق في إثيوبيا والصومال، حيث يعيش الجراد، وهو ما خلق ظروفا مناسبة للجراد كي يتكاثر مجددا." وأضاف أنه في 28 ديسمبر اجتاح الجراد كينيا وتأثرت مناطق كثيرة فيها.
وحذر المسؤول في الفاو من تدهور الأوضاع أكثر مع ظهور جيل جديد من الجراد في موسم الزراعة في مارس المقبل، إذ إن الدمار الذي يخلفه الجراد هائل، إذ يمكن لسرب الجراد الذي يجتاح كيلومترا واحدا أن يلتهم طعاما في يوم واحد يساوي ما يأكله 35 ألف شخص.
تكاثر بكثرة
من جانبه، قال كيث كريسمان، مسؤول تنبؤات الجراد الصحراوي في الفاو، إن عدم التحرك في الوقت المناسب سيكون له عواقب وخيمة. "في كينيا على سبيل المثال استمر الجراد في اجتياح تلك المناطق على مدار خمسة أسابيع، وهذا يدل على تكاثر الجراد وتفشي الآفة في مناطق شاسعة، ولكن بسبب الموارد غير الكافية لا يمكن الوصول إلى جميع تلك المناطق.
وقال كريسمان "سيفقس البيض هذا الشهر، وبعدها ستظهر مواليد الجراد التي لا تملك أجنحة وتقفز على الأرض وكأنها سجاد متحرك على الرمال، وستحجب رؤية الأرض.
وبعد ستة أسابيع ستكبر هذه الحشرات لتتحول إلى أسراب جديدة، وهو ما يتزامن مع موسم الأمطار والزراعة، وعادة ما يمتنع المزارعون عن الزراعة في هكذا ظروف وهو ما يحمل تداعيات كبيرة على سبل المعيشة والأمن الغذائي.
وقال كريسمان إن تلك الحشرات الصغيرة تكبر بعد عدة أسابيع وتبدأ بالتكاثر، وبهذا تتجدد الدائرة مرة أخرى.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد طالب الدول بالرد "بسرعة وسخاء" لضمان استجابة فعّالة والسيطرة على الآفة.
جاء ذلك خلال مشاركته في قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا يومي السبت والأحد الماضيين، وربط الأمين العام أزمة الجراد بتغيّر المناخ، وطالب الدول المتقدمة بالتقليل من الانبعاثات ودعم أفريقيا بقوة.
وقال السيّد غوتيريش، "إن أفريقيا الأقل تسببا بهذه الحالة الطارئة لكنها تعاني من بعض أكثر عواقبها تدميرا."
وأضاف الأمين العام "من المهم أن تقلل الدول المتقدمة من الانبعاثات وأن تدعم بقوة أفريقيا في التكيف وبناء المرونة والمتطلبات المالية التي تحتاجها القارة لمواجهة تغيّر المناخ.
دعم أفريقي ذاتي
وتبرّع الأربعاء الماضي الصندوق الاستئماني للتضامن الأفريقي بمليون دولار لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لمكافحة الجراد الصحراوي المتزايد في القرن الأفريقي، جاء ذلك خلال اجتماع للجنة التوجيهية للصندوق في مقر الفاو في روما.
يأتي التبرع الجديد للصندوق عقب إجراء مماثل اتخذته اللجنة التوجيهية في أعقاب تفشي مرض الإيبولا في غرب أفريقيا قبل عدة سنوات، فقد خصص الصندوق حينها 1.5 مليون دولار لدعم مشاريع التدخل السريع في ثلاثة بلدان متأثرة بالإيبولا (غينيا وليبيريا وسيراليون.
وحذرت الفاو من أنه إذا لم يتوقف هطول الأمطار، التي تفوق معدلها السنوي وإذا لم تفلح عمليات السيطرة في إيقاف الجراد، يمكن للآفة أن تنتشر في شرق أفريقيا قبل انتهاء العام 2020، وهو ما سيحمل تداعيات خطيرة على المنتوجات الزراعية والمراعي في جميع أنحاء المنطقة وسيعرّض الأمن الغذائي للخطر في الوقت الذي يعاني ملايين الأشخاص أصلا من انعدام أمن غذائي حادّ.