الجمعة ، ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ ساعة ٠١:١٥ مساءً

فيلم "1917" يكشف محدودية تقنية المحاكاة الانغماسية

منذ أن عمد المخرج ستيفن سبيلبرغ إلى إعادة تركيب سينمائية لعمليات إنزال قوات الحلفاء على ساحل الـ"نورماندي"، في فيلم "إنقاذ الجندي رايان" (1998) [باستخدام تقنيات المحاكاة الافتراضية]، بات المخرجون مهووسين بتحويل أفلام الحروب إلى تجربة بصرية في المحاكاة الاقتراضية على الشاشات. وبمساعدة الكاميرات الثابتة، استطاع مخرجون ككريستوفر نولان وكاثرين بيجيلو سبر أغوار كل الخدع التصويرية الممكنة من أجل نقل الجماهير إلى الأجواء التي عايشها أولئك الرجال الذين واجهوا مخاطر لا يمكن تخيّلها [في الحروب].

وفي فيلم "1917" الذي توِّج أخيراً بجائزة "غولدن غلوب" عن أفضل فيلم درامي، دفع المخرج سام منديز صناعة الأفلام المصنوعة بتقنية المحاكاة الافتراضية الانغماسية إلى أقصى درجاتها، كاشفاً بذلك محدوديتها. ويعرض منديز فيلمه الملحمي عن الحرب العالمية الأولى، في مسارين بصريين يظهران كأنهما غير متقطعين على الرغم من تنفيذ ذكي فعلياً لعمليات مونتاج خفية . في ذلك الشريط، يُستَدعى بليك (الممثل دين تشارلز تشابمان) وشوفيلد (جورج ماكاي)، وهما أخوان في السلاح، من أجل القيام بمهمة تتناول خدعة خبيثة، إذ نصف الألمان فخاً، وما لم يتمكن الرجلان من إيصال تحذير في الوقت المناسب، فسيواجه 1600 رجل (بمن فيهم شقيق بليك) مصير الإبادة.

هناك فصلان واضحان في هذه الحكاية، يجري خلالهما استكشاف رؤيتين للحرب إحداهما متكبرة وحزينة، والاخرى يائسة ومهلوسة. في البداية، نتابع الرجلين أثناء سيرهما في الخنادق ثم في المنطقة المحرمة [التي تفصل الأطراف المتحاربة]، ويعمد ميندز إلى صنع أصناف من الرعب غير العادي. إذ تتحوّل الخيول الميتة إلى علامات طريق للتنقل في المنطقة، فيما تغطي الأطراف النحيلة المبتورة كل تلّة أو تطل ملامح الوجوه المجوفة من تحت التراب. في إحدى المراحل، يتعثر شوفيلد. وينتهي الأمر بيده غارقة في أحشاء جثة أحد زملائه الجنود. وتُلَطّف هذه الحادثة بنكتة أن الصدمة أضحت ببساطة جزءاً من المعيشة اليومية، ومحفورة أيضاً في النظرات الغائرة لبليك وشوفيلد. وتمكّن المصور السينمائي ردوجر ديكينز الذي كان بارعاً كعادته، من العثور على كل درجة من درجات اللون البني، مضيفاً غنى غير متوقع على ذلك المنظر القاحل. في هذه الأثناء، يفتتح الفصل الثاني في بلدة فرنسية تعرضت للقصف. ويتكاثف ضباب برتقالي حول بناء يتداعى. ويبدو الأمر كأنه مشهد ما بعد محرقة نووية. في هذه الجزئية، يأتي دور الموسيقى التصويرية التي وضعها توماس نيومان لتصبح قوة دفع رئيسة تتماشى إيقاعاتها المتسارعة مع صوت الخطوات المذعورة لرجل يهرب من الموت. وخلال رحلتهما، يتقاطع طريق الرجلين مع مجموعة متنوّعة من الممثلين البريطانيين، بما في ذلك كولين فيرث و بينيدكت كامبرباتش.

وبصورة عامة، يترك جميع الأبطال انطباعاً جيداً حتى لو كانت نجوميتهم تُشتّت الانتباه. بدا اختيار أندرو سكوت فعالاً بشكل خاص لأداء دور ملازم منهار لدرجة أنه أصبح إلى حد ما شاعراً عدمياً. إذ يورد في كلمات تأكيديّة، "لقد قاتلنا ومتنا فوق كل شبر من هذا المكان".

وفي سياق هادئ، يثير السيناريو الذي شارك مينديز في كتابته إلى جانب كريستي ويلسون كيرنز، سؤالاً حول كيفية تعريفنا كلمة "بطولة" من منظور الفعل الفردي مقابل الشجاعة الجماعية. إذ يُكْشَفُ عن أن شوفيلد قايض الميدالية التي فاز بها بسبب قتاله في معركة إقليم الـ"سوم" الفرنسي، بزجاجة نبيذ. وتُغضِب هذه الفكرة بليك. لكن صديقه يرد، "إنها مجرد قطعة ملعونة من الصفيح". إنها لا تجعله شخصاً مميزاً. ويمكنكم على الفور الشعور بمدى إحساسه بالذنب، أليس القدر وحده هو الذي يفصله عن أولئك الذين سقطوا؟

من المؤسف حقاً أن يقوم الفيلم بتقزيم موضوعاته بصرامه في الجزء المتبقي منه. في حين أن تركيبة الحكايتين كانت ناجعة في تكثيف الشعور بالضيق، إلا أنها تطلبت أيضاً إثارة مستمرة.  وبالتالي، بعيداً عن منحنا إحساساً بأن هؤلاء جنود عاديّون، جرى وضع بليك وشوفيلد في مجموعة من المشاهد المعقدة التي لن تبدو غريبة إذا ظهرت في أفلام مثل "إنديانا جونز". هناك مهجع شبحي مملؤ بالقوات العسكرية الواهنة ومنطقة نهرية محفوفة بمخاطر التيارات العنيفة. وسرعان ما تحوّلت المناورة الطموحة لفيلم "1917" سلاحاً ذي حدين. إذ يقرّبنا ذلك الشريط من أولئك الرجال، لكنها تفصلهم عن التجارب الجماعية التي يسعى الفيلم إلى تخليدها.

 

الفيلم من إخراج سام منديز.

أداء الممثلين: جورج ماكاي ودين تشارلز شابمان ومارك سترونغ وأندرو سكوت وريتشارد مادن وكلير دوبورك وكولين فيرث وبنديكت كامبرباتش.

مستوى "15 سيرت" في التقييم الرقابي.

مدة العرض 118 دقيقة.