كادت تسع سنوات من المحادثات وعدة اتفاقيات حول كيفية تقاسم مياه أطول أنهار العالم أن تضيع هباءً الأسبوع الماضي، كل ذلك بسبب نوبة من الأمطار الغزيرة.
أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرت، الثلاثاء الماضي، من قبل شركة "ماكسار تكنولوجيز" الأمريكية تجمع المياه في خزان خلف سد النهضة المثير للجدل على النيل الأزرق في إثيوبيا.
دفعت هذه الأخبار المسؤولين في مصر للمطالبة بتوضيح عاجل وكذلك حكومة السودان المجاور، والتي اشتكت من انخفاض مستويات المياه على امتداد النهر، خاصة بعد تصريحات إثيوبية متضاربة حول بدء التخزين.
يبدو أن الأمطار الغزيرة هي التي تسببت في تضخم الخزان، ولكن كما قالت إثيوبيا مرارًا وتكرارًا إنها ستملأ السد مع أو بدون اتفاق مع الدولتين الأخريين، لذلك كانت الصور سببًا لتوليد مخاوف لدى مصر والسودان.
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن إن" يخشى البلدان أنه إذا بدأت إثيوبيا في ملء السد بوتيرة سريعة، فسيكون لذلك آثارًا عميقة على إمدادات المياه الخاصة بهم.
في نفس اليوم الذي كشفت فيه "ماكسار" عن الصور، فشلت الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق حول كيفية المضي في المشروع، مع انهيار الجولة الأخيرة من المحادثات.
الأمل الإثيوبي والخوف المصري
سد النهضة الإثيوبي الكبير، مشروع طموح للطاقة الكهرومائية بقيمة 4.5 مليار دولار، ويعد رمزًا لهدف إثيوبيا لتصبح لاعبًا إقليميًا رئيسيًا. ويهدف إلى توفير الكهرباء لحوالي 60% من الأسر الإثيوبية التي لا تغطيها شبكة الكهرباء حتى الآن.
وقال بيرهانو لينجيسو، المؤسس المشارك لمعهد أبحاث سياسات شرق أفريقيا، إنه بدون كهرباء، يعتمد العديد من الإثيوبيين على قطع الغابات من أجل حطب الوقود، في حين أن 40% من البلاد المرتبطة بالشبكة تعاني من انقطاع التيار الكهربائي المستمر.
وأضاف:
إنه وضع صعب للغاية. إنه وضع محزن للغاية نعيش فيه منذ قرون عندما نساهم فعليًا بحوالي 85% من مياه النيل ولا نستخدم أيًا من هذه المياه. لكن بالنسبة لمصر، يهدد السد أحد أثمن مواردها، إذ يعيش معظم سكان مصر البالغ عددهم 102 مليون نسمة في وادي النيل الضيق، على طول النهر، ويعتمدون عليه في كل شيء من مياه الشرب إلى الاستخدام الصناعي والري.
وقال أحمد عبد الوهاب، مزارع من جنوب مصر، والدي وجدي عاشا على النيل وسيعيش أبنائي وأحفادي عليه. وتكهن بأن السد يمكن أن يؤدي إلى انخفاض بنسبة 60% في محاصيله السنوية وزيادة في تكاليف المياه، مضيفًا: "نحن قلقون للغاية. كل المزارعين قلقون".
ووفقًا لمجموعة الأزمات الدولية، سيستفيد السودان في الغالب من الكهرباء المنخفضة السعر في السد وتدفق المياه المستمر الذي سيحد من الفيضانات ويزيد الري.
لكن قرب البلاد من المشروع - على بعد 12.5 ميل فقط من حدودها مع إثيوبيا - يمكن أن يجعل سد الروصيرص الخاص بها عرضة للفيضانات، حال غياب التنسيق المناسب.
ونفى وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، تقارير سابقة تفيد بأن البلاد بدأت في ملء الخزان، قائلًا إن هطول الأمطار تسبب في تجمع المياه هناك.
وقال سيليشي إن الملء النشط للسد سيبدأ في غضون عامين، عند اكتمال أعمال البناء - مشيرًا إلى أنه لا يزال هناك وقت لمزيد من المحادثات.
يتفق المحللون على أن المياه التي تظهر في صور الأقمار الصناعية هي على الأرجح الأمطار.
ليس من المستغرب أن إدارة مياه النيل أمر معقد، إذ يمتد هذا النهر لمسافة 4100 ميل (6600 كيلومتر تقريبًا) ويتدفق عبر 11 دولة.
النيل الأزرق، الشريان الذي يعطي النهر أكثر من 80% من مياهه، يبدأ في بحيرة تانا في إثيوبيا، يلتقي مع التيار الرئيسي، النيل الأبيض، في الخرطوم السودانية، ثم يتدفق عبر مصر إلى البحر الأبيض المتوسط.
تدور معظم المفاوضات الآن حول الإطار الزمني لملء السد، وسرعة ملئه، وكيفية التخفيف من آثار الجفاف. اقترحت إثيوبيا في البداية ملء السد في ثلاث سنوات، بينما أرادت مصر القيام بذلك على مدى 10 إلى 15 سنة.
وقالت حفصة حلاوة، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط الذي يتخذ من واشنطن مقراً، إنه منذ ذلك الحين كان هناك اتفاق شفهي لملء السد خلال ثماني سنوات.
وتخشى مصر من أن تؤدي التعبئة السريعة إلى انخفاض كمية المياه التي تصل إلى نصيبها من النيل. قال وزير الري المصري السابق في 2018 إن انخفاض 2% في مياه النيل سيؤدي إلى فقدان 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية ومليون وظيفة.
التأثير الدقيق للسد على تدفقات المصب لا يزال غير معروف. فشلت البلدان الثلاثة حتى الآن في الاتفاق على من سيجري الدراسات البيئية المطلوبة، وما سيسمح للباحثين بالوصول إليه، وكيف يجب أن تكون النتائج ملزمة. هذا بخلاف فرضية حلول الجفاف لفترات طويلة.
مع موسم الأمطار الغزيرة والاتفاق من حيث المبدأ على جدول ملء خلال ثماني سنوات، لا توجد مشاكل فورية في الأفق، لكن القاهرة تخشى من أن الجفاف في المستقبل، أو المشاريع المحتملة الأخرى، من شأنها أن تعطل تدفق المياه على طول النيل. إثيوبيا حريصة على لعب جميع الأطراف دورًا في تخفيف آثار الجفاف، مثل استخدام مصر لاحتياطياتها في سد أسوان العالي. كما تريد معالجة المشكلات فور ظهورها، وعدم الالتزام باتفاقيات محددة مسبقًا، مثل إطلاق كميات محددة من المياه من خزاناتها أثناء فترات الجفاف.
فيما تقول حفصة: "ما زالت النقطة الشائكة هي المستقبل. تواصل إثيوبيا النظر إلى هذه المفاوضات على أنها طريق للاتفاق على إدارة سد النهضة وملئه. ولا تنظر إليها على أنها اتفاقية أمنية مائية أوسع وتقاسم للمياه، وهذا ما تفعله مصر. وهو اختلاف قانوني وفني رئيسي".
وانعقدت اليوم، قمة أفريقية مصغرة بشأن سد النهضة، تحت رئاسة سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وبمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيسي وزراء السودان وإثيوبيا وكذلك قادة الدول أعضاء مكتب الاتحاد الأفريقي.
وقال وزير الري السوداني، ياسر عباس، إن الحضور اتفقوا في القمة الإفريقية المصغرة على تواصل المفاوضات لتجاوز النقاط الخلافية بشأن سد النهضة.