أشبه ما تكون بـ «توقّف الزمن»، يعيش المستفيق من الغيبوبة، لا سيّما إنْ طال أمدها شعوراً من التيه وانعدام التركيز جراء تغيّر الأحداث من حوله. وعلى الرغم من أنّ التحوّل قد يكون طفيفاً في نظر المحيطين، إلّا أنّه يمثّل شيئاً كبيراً في نفسية المستفيق. فقد الفرنسي، فرنسوا غيلاس، وعيه ودخل في غيبوبة طويلة، إثر اصطدام سيارته بشاحنة نقل على الطريق السريع الرابط بين باريس وشرق فرنسا لدى عودته من مقر عمله أواخر العام الماضي. دخل غيلاس في غيبوبة منذ 31 من ديسمبر الماضي أفاق منها منتصف مارس الماضي ليجد العالم ليس كما تركته، لقد انقلب رأساً على عقب بعد تفشي فيروس «كورونا». يشعر غيلاس بأنّه سافر في رحلة عبر «آلة الزمن»، أو انتقل من كوكب إلى آخر، بل وأنّه فقد الوعي قروناً وليس 75 يوماً فقط.
يقول فرنسوا غيلاس، الموظف في شركة التأمينات لـ«البيان»: «آخر شيء أتذكره كان يوم 31 ديسمبر، كنت عائداً من عمل استثنائي مع عميل في الشركة، ذهبت إليه رغم العطلة لإنجاز أمور تخص الشركة، وأثناء عودتي على الطريق السريع، اصطدمت بشاحنة نقل كانت متوقفة على جانب الطريق، هذا كل ما أتذكره، لم أعِ شيئاً بعد ذلك في هذا العالم، وعرفت فيما بعد أنني قد تم نقلي إلى مستشفى «هينري موندور» القريب لموقع الحادث».
مفاجأة
يروي غيلاس كيف تمّ وضعه في غرفة العناية المركزة، إثر فقدانه الكامل للوعي، وبقائه في الغيبوبة 31 يوماً، استعاد بعدها الوعي للحظات قبل أن يسافر في غيبوبة أخرى، مردفاً: «تحسنت حالتي شيئاً فشيئاً، إلى أن استعدت وعيي، لكن عقلي لم يكن نشطاً كما هو الحال الطبيعي، بعد مرور 40 يوماً بقيت تحت الرعاية العادية لتنشيط العقل فترة أخرى أكثر من 20 يوماً، وعندما بدأت أدرك ما حولي، كانت زوجتي تزورني وتتحدث إليّ في بداية إفاقتي ثم منعوها من زيارتي، وعندما استفسرت كانت المفاجأة».
حكاية أسطورية
سأل غيلاس عن زوجته بعد استعادته كامل وعيه، فردت الطبيبة إنّها في المنزل ويحظر تنقلها بسبب انتشار فيروس «كورونا»، لم يدرك غيلاس عمّا تتحدث الطبيبة، تولّت الممرضة مهمة شرح الأمر وهو يسمع كمن يستمع إلى حكاية أسطورية من جدته عن عصر سحيق، ركز غيلاس كل انتباهه مع حديث الممرضة وهو فاغر فاه: «انتشر فيروس كورونا في الصين أولاً، ضرب البلاد، والآن منعنا الزيارات من الخارج للمستشفى، إيطاليا تنهار، ألمانيا تعاني، إسبانيا ضربها الفيروس». دار رأس فرنسوا غيلاس ولم يستوعب شيئاً، يقول حائراً: «تم فرض الطوارئ الصحية يوم 15 مارس، قالوا إنّ البلاد تعاني، أوروبا كلها تعاني، العالم انقلب رأساً على عقب، قالوا لي ستخرج قريباً، فقلت إلى أين؟ العالم لم يعد كما عرفته». خرج غيلاس من المستشفى أخيراً مزلزل الأحاسيس، أصبح يرى العالم بشكل آخر، عندما عاد من المجهول إلى المجهول، على حد وصفه.