السبت ، ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ ساعة ٠٨:١٢ مساءً

"أوبك" تسرع تحركاتها لوقف تلاعب "كورونا" بسوق النفط

تسببت تصريحات وتحركات جديدة لـ"أوبك" في دعم سوق النفط واتجاه الأسعار إلى التحسن، لتتجاهل السوق مخاطر انتشار الفيروس التاجي "كورونا".

وفي تعاملات صباح اليوم الجمعة، ارتفعت أسعار النفط بعد إعلان روسيا أنها تساند توصية لدول "أوبك" ومنتجين آخرين بخفض إمداداتهم أكثر، وسط تراجع الطلب على الخام، في وقت تكافح الصين تفشي الفيروس التاجي.

وكانت العقود الآجلة لخام "برنت" مرتفعة 24 سنتا بما يعادل 0.4 في المئة إلى 55.17 دولار للبرميل، لكنها تتجه لتكبد خسائر للأسبوع الخامس على التوالي، في ظل استمرار المخاوف حيال أثر الفيروس القاتل.

وزادت عقود الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط بنحو 15 سنتا أو 0.3 في المئة مسجلة 51.10 دولار للبرميل، ومتجهة هي الأخرى صوب خسائر للأسبوع الخامس على التوالي.

وكانت الأسعار انخفضت في وقت سابق من الجلسة بعد تصريح محافظ البنك المركزي الصيني بأن ثاني أكبر اقتصاد في العالم قد يمر بتعطيلات خلال الربع الأول من العام، في حين أعلنت الصين عن قفزة كبيرة في عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس بين آلاف السائحين الممنوعين من مغادرة سفينة رحلات قبالة سواحلها.

واقترحت لجنة تسدي المشورة لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها بقيادة روسيا، في إطار المجموعة المعروفة باسم أوبك+، خفضا مؤقتا للإنتاج قدره 600 ألف برميل يوميا، حسبما أبلغت ثلاثة مصادر "رويترز" يوم الخميس.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عندما سئل عن المقترح أثناء مؤتمر صحافي في مكسيكو سيتي "نؤيد هذه الفكرة". ولفت إلى أن الرئيس الروسي تحدث مع ملك السعودية، أكبر منتج في أوبك، بشأن الفيروس الجديد، الذي انتشر في أنحاء الصين وخارجها. وتابع "بالتأكيد ستكون له بعض التداعيات على سوق النفط".

وتقلص مجموعة أوبك+، التي تضخ أكثر من 40 في المئة من نفط العالم، المعروض بالفعل، وسبق أن اتفقت على تعميق تخفيضاتها بمقدار 500 ألف برميل يوميا من مطلع العام الحالي، لتصبح 1.7 مليون برميل يوميا، بما يقرب من 2 في المئة من الطلب العالمي.

الطلب العالمي يتأثر بتراجع الطلب الصيني

في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، قال محلل النفط الكويتي، محمد الشطي، إن نفط الكويت انخفض من مستوى 66.6 دولار للبرميل في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي إلى نحو 55.4 دولار للبرميل في 5 فبراير (شباط) الحالي، فاقداً نحو 10 دولارات للبرميل تقريباً.

ويرجع هبوط أسعار النفط الخام الحالي إلى مخاوف السوق من انتشار فيروس كورونا والآثار السلبية المتوقعة على الاقتصاد الصيني، والطلب على النفط في الصين، التي تؤثر بشكل مباشر في الملاحة الجوية داخل البلاد ومنها وإليها. وكذلك تؤثر في حركة النقل داخلها.

وتقدر بعض مصادر السوق هذا التأثير بأنه يعني خفضا في معدل نمو الطلب في الصين على أساس سنوي بنحو 300 ألف برميل يوميا خلال 2020، مقابل حجم الطلب خلال العام الماضي، وسيكون التأثير خلال الربع الأول من العام، حيث تتوقع سكرتارية "أوبك" معدل تنامي الطلب على النفط خلال عام 2020 في حدود 1.1 مليون برميل يوميا (ولكن تأثير فيروس كورونا يعني أن الزيادة ستكون فقط 800 ألف برميل يوميا، بدلا عن 1.1 مليون برميل يوميا).

وأوضح أن توقعات الصناعة تشير إلى اختلال في ميزان الطلب والعرض خلال النصف الأول من عام 2020، ولذلك جاء قرار "أوبك+" بتعميق الخفض قبل ظهور كورونا.

وفي تطور لاحق، تأتي توقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأن الاقتصاد العالمي قد تجاوز مرحلة الركود، وبالتالي سيعاود النمو، لكن لا يعني ذلك أن الأسواق قد تجاوزت المحاذير والمخاوف، والتي ما تزال مرتبطة بالتفاوض بين الصين وأميركا بشأن النزاع التجاري، وقد حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، من أن كورونا يمثل تهديداً جديداً للتوقعات الاقتصادية.

أجواء وانطباعات سلبية تزيد حدة الضغوط

"الشطي" أشار إلى أن سلوكيات بيوت الاستثمار والمضاربة من المؤشرات التي تتأثر فعليا بالانطباعات وتشكل أجواء السوق ومسار الأسعار، وعندما تزيد حركة البيع بينما تبقى حركة الشراء خجولة، بلا شك فإن ذلك يعني بناء وتوفير أجواء وانطباعات سلبية يصعب معها تعافي أسعار النفط، ولكنها تظل تعاني من الضغوط.

كذلك تقدر بعض مصادر السوق ارتفاع إنتاج روسيا من النفط والمكثفات، حيث سجل أعلى مستوى له في 5 شهور عند 11.28 مليون برميل يوميا، في حين تراجع إنتاج الولايات المتحدة من النفط من أعلى مستوى في تاريخه البالغ 13 مليون برميل يومياً خلال الأسبوع الماضي. ويرتبط استمرار هبوط أسعار النفط بحركة المخزون النفطي، فقد أظهرت بيانات إدارة الطاقة الأميركية بناء في المخزون النفطي مقابل توقعات استمرار السحوبات من المخزون. وعلى الرغم من كل هذا، فإن تراجع إنتاج ليبيا من النفط إلى النصف، والبعض يقدر الإنتاج حاليا فقط عند 242 ألف برميل يوميا من مستوى 1.2 مليون برميل يوميا قبل تعطيل الإنتاج، سيكون له تأثير في دعم الأسواق وأسعار النفط بعد استيعاب حجم النقص في المعروض نتيجة لذلك. وكذلك بعد تعافي السوق من تأثيرات فيروس كورونا والوقوف على تأثيراته الفعلية في الصين، وتشير آخر مستجدات "كورونا" إلى ارتفاع مستمر في عدد الضحايا حتى الآن.

ومن المؤشرات الإيجابية التي تدعم أسعار النفط ما تردد بشأن عزم "أوبك+" تمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى منتصف العام الحالي، مع استمرار تعهد السعودية الالتزام بخفض إضافي في إنتاجها، كذلك استمر إنتاج فنزويلا في الانخفاض إلى ما دون 900 ألف برميل يوميا خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو أيضا عامل إيجابي.

ولذلك من الصعب توقع استمرار هبوط أسعار النفط، ولكن هي فترة يتم فيها استيعاب تأثيرات فيروس كورونا، ثم تبدأ الأسواق في التعافي، وهذا أيضا يتماشى مع التوقعات السابقة باستمرار اختلال ميزان الطلب والعرض خلال النصف الأول من عام 2020، ثم يتحقق التوازن خلال النصف الثاني من العام.

تطورات "كورونا" وتداعياته على الأسواق

وأشار "الشطي" إلى استمرار تطورات فيروس "كورونا" في التلاعب بالأسواق العالمية لتدفع الأسهم والنفط لمكاسب قوية هي الأبرز في أسواق النفط، حيث تمكنت أسعار النفط من الارتفاع وسط آمال التوصل لعلاج لفيروس "كورونا"، ورغم ذلك فإنها قلصت مكاسبها بعد نفي منظمة الصحة العالمية وجود علاج فعال للفيروس المميت حتى الآن.

فيما ارتفعت مخزونات النفط في الولايات المتحدة بنحو 3.4 مليون برميل بأكثر من التوقعات، بينما دعمت سحوبات من مخزون الولايات المتحدة الأميركية من الجازولين وزيت الغاز الأسعار أيضاً.

وأوضح "الشطي" أنه بلا شك فإن اجتماع اللجنة الفنية لمراقبه الإنتاج يدلل على أهميه تحقيق توازن أسواق النفط لـ"أوبك" ومتابعة أي تطور أو تحدٍ أو تهديد لتحقيق هدف التوازن واستقرار الأسعار. ومن هذا المنطلق فإن محاولة تقييم آثار فيروس "كورونا" على الأسواق يقدم مصداقية كبيرة للمنظمة وتحالف المنتجين، على الرغم من أنه يعتبر مبكراً نسبياً، لكن يضمن تحركات المنتجين، وبالتالي التطمينات التي تحتاجها السوق وبيوت الاستثمار والمضاربة.

وأضاف "الشطي" أنه وبحسب ما تتناقله وسائل الإعلام فإن ذلك يعني الاستمرار بالتخفيضات السابقة، مع استمرار التزام تعميق التخفيض الذي تعهده أعضاء "أوبك+"، وكذلك تعهد السعودية، مع اقتراح بخفض إضافي بمقدار 600 ألف برميل يومياً.

وأكد أن كل هذه المحاور إيجابية وجيدة بالنسبة إلى السوق، بخاصة في ظل ما يتردد حول تطورات في معالجة انتشار فيروس كورونا، وهي كذلك تتماشى مع تناقص واردات الصين من النفط الخام، والتي تجري في العادة حول 10 ملايين برميل يوميا، ويأتي أغلبها من أوبك ومختلف المنتجين في العالم. وقد أعلنت بكين عن خفض في معدل تشغيل المصافي.

"الشطي" أشار إلى أن ذلك يعني تقييد المعروض بما يتماشى مع التطورات التي تهدد معدل نمو الطلب العالمي على النفط، وهو أمر جيد للسوق ويمنع الهبوط ويحفظ استقرار الأسعار إلى حين الاجتماع المقبل المقرر في مارس (آذار). وقال إن أي تحسن في الإنتاج من بعض الدول، بخاصة التي تعاني أوضاعاً استثنائية مثل ليبيا وفنزويلا وإيران، يمثل تحدياً جديداً أمام الأسعار.