سلط تقرير أمريكي الضوء على تأثير التغير المناخي والصراع المسلح على مستقبل الأجيال في اليمن.
وقال “المركز العربي واشنطن دي سي” إن اليمن يواجه إلى جانب الصراع التأثيرات العميقة للتغير المناخي على القطاعات لكل من الزراعة والصحة إلى الاقتصاد الأوسع والموارد الطبيعية.
وذكر المركز في تقرير للباحثة اليمنية، أفراح ناصر أن اليمن يواجه تحديات متكررة من الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك هطول الأمطار الغزيرة وارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يتسبب في احتفاظ الغلاف الجوي بمزيد من الرطوبة وتكثيف تأثير الأمطار والفيضانات.
ومنذ أبريل/نيسان من هذا العام، أودت الفيضانات المدمرة في البلاد التي مزقتها الحرب بحياة العشرات وشردت الآلاف من الأسر. كما دمرت الفيضانات البنية الأساسية الحيوية، وجرفت المنازل، ونقلت الألغام الأرضية التي زرعها المقاتلون في ساحة المعركة، وتسببت في حالة طوارئ إنسانية كاملة النطاق.
وبحسب التقرير فإنه بعد عقد من الحرب وعدم الاستقرار، تقف اليمن عند مفترق طرق حرج حيث يلتقي تغير المناخ والصراع المسلح.
وأكد أن بيئة البلاد الهشة تواجه بالفعل بسبب عقود من سوء الإدارة، ضغوطًا إضافية من تغير المناخ. يخلق هذا الوضع حلقة تغذية مرتدة حيث تؤدي التحديات البيئية إلى تفاقم الصراع والحرب وتؤدي إلى تآكل قدرة اليمن على الاستجابة والتكيف مع تغير المناخ.
وأوضحت الباحثة أن الأزمات المتداخلة تجعل بناء السلام أكثر صعوبة وتزيد من المظالم الاجتماعية. وبدون استراتيجيات متكاملة تجمع بين التكيف مع المناخ وبناء السلام، فإن اليمن تخاطر بأن تصبح مصدرًا مستمرًا لعدم الاستقرار والنزوح. إن معالجة هذه الأزمات المترابطة أمر ضروري لكسر حلقة التفاعل بين المناخ والصراع وتأمين مستقبل أكثر استقرارًا للشعب اليمني
وطبقا للتقرير فإن اليمن يحتل المرتبة السابعة بين أكثر الدول ندرة في المياه على مستوى العالم، وهو الوضع الذي يؤثر على جميع الإنتاج الزراعي وسبل العيش. وفي هذه المناظر الطبيعية القاحلة، تنخفض المياه الجوفية – وهي مورد حيوي – بمقدار 2 إلى 6 أمتار سنويًا في أحواض حرجة، وهو استنزاف صامت ولكنه لا هوادة فيه.
وأوضحت أن الصراع لا يقتصر على المرتفعات، وعلى طول السواحل، تتسلل المياه المالحة المتعدية إلى مصادر المياه العذبة، مما يحول الآبار العذبة ذات يوم إلى آبار مالحة وغير صالحة للاستخدام. وبالتوازي مع ذلك، تتحدث تربة اليمن عن معاركها الخاصة.
وتابعت “فالأراضي الخصبة التي كانت مزدهرة بالمحاصيل أصبحت الآن مشوهة بالتآكل، مما يؤدي إلى إزالة الغابات والتصحر. وقد أدت الأحداث الجوية المتطرفة – سواء كانت عواصف عنيفة أو جفاف مطول – إلى تسريع عملية التآكل، مما أدى إلى تجريد التربة من قدرتها على دعم المحاصيل. وإضافة إلى الخسائر البيئية، تختفي غابات اليمن بمعدل ينذر بالخطر. ومع قطع أكثر من 5 ملايين شجرة منذ عام 2018، أدى الصراع المستمر إلى قطع الأشجار على نطاق واسع للحصول على الحطب وسط نقص الوقود”.اجتماع تغير المناخ مع الصراع
وأردفت أن الواقع القاسي لتغير المناخ هو أكثر من مجرد تحدٍ بيئي – إنه قوة هائلة تعمق صراعات اليمن. لعقود من الزمان، أشعل ندرة المياه صراعات قبلية بدأت تاريخيًا بسبب الموارد الثمينة المحدودة. لقد أدت أعمال العنف المرتبطة بالنزاعات على الأراضي والمياه إلى مقتل الآلاف سنويا، وهو ما يذكرنا بالتكلفة البشرية المترتبة على ندرة الموارد. وقد أدى تغير المناخ إلى زيادة المخاطر إلى مستويات أعلى
وتابعت “لقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الكوارث المناخية المدمرة التي زادت من حدة التحديات التي تواجه اليمن، ورسمت صورة حية للقوة التدميرية لتغير المناخ وآثاره البعيدة المدى.
وذكرت أن إعصار تشابالا في عام 2015 بمثابة بداية هذه الاضطرابات المكثفة. وبينما كان يزأر عبر بحر العرب، أطلق الإعصار سيلًا غير مسبوق من الأمطار – 610 ملم في غضون 48 ساعة فقط. وكان غضب العاصفة أكثر حدة في جزيرة سقطرى اليمنية وفي المحافظات الرئيسية شبوة وحضرموت. حول الطوفان المناظر الطبيعية الجافة والقاحلة ذات يوم إلى بحر من الدمار. اجتاحت العاصفة المنازل، ودمرت البنية التحتية الحيوية، وجرفت الموارد الأساسية. بالنسبة لنحو 1.1 مليون شخص، لم يكن الإعصار مجرد كارثة طبيعية بل كان بمثابة اضطراب عميق في حياتهم، مما أدى إلى تفاقم معاناة النازحين بالفعل بسبب الصراع.
ثم جاء إعصار ميكونو في عام 2018، والذي على الرغم من تأثيره في المقام الأول على عُمان، إلا أنه ألقى بظلاله الطويلة على اليمن. حيث اخترقت الأمطار الغزيرة الناجمة عن العاصفة الدفاعات الساحلية الطبيعية لسقطرى، مما أدى إلى إغراق الجزيرة وإجبار أكثر من 500 أسرة على ترك منازلها. وقد كشف تأثير الإعصار على اليمن عن الحالة الهشة للبنية التحتية للبلاد وتفاقم الوضع الإنساني المزري.
الأزمات المزدوجة
وأكدت أن الأزمات المزدوجة المتمثلة في تغير المناخ والصراع تمزق النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد وتهدد حياة عدد لا يحصى من الناس. ويرسم ندرة المياه في البلاد صورة قاتمة بشكل خاص لهذه الكارثة المتكشفة. وبينما تستعد اليمن لانخفاض نصيب الفرد من المياه بحلول عام 2030 إلى 55 مترًا مكعبًا فقط – وهو ما يمثل بالكاد 10 في المائة من المعيار الدولي البالغ 500 متر مكعب لندرة المياه الشديدة – فإن العواقب وخيمة.
ووفقا للتقرير فإن هذا النقص العميق يعرض الإنتاجية الزراعية للخطر، وهي شريان حياة بالغ الأهمية للعديد من اليمنيين، ويدفع السكان الريفيين إلى مراكز حضرية مزدحمة بشكل متزايد، مما يؤدي إلى توسيع هاوية التفاوت الاقتصادي.
وأفاد بأن التحديات التي تواجه سياسة المناخ في البلاد تتكشف على خلفية من عدم الاستقرار السياسي والحوكمة المجزأة بين صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وعدن التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية. مشيرا إلى أن هناك غياب صارخ لمؤسسة وطنية مخصصة لإدارة استراتيجيات المناخ والتمويل.
وقالت أفراح في تقريرها “يبرز هذا الفراغ من خلال الافتقار إلى صندوق المناخ الوطني، مما يخنق تنسيق الإجراءات المناخية ويحد من الوصول إلى التمويل المناخي الدولي الحاسم.
وأكدت أن هيئة حماية البيئة في اليمن، المكلفة بالإشراف على مبادرات تغير المناخ، ضعيفة بشدة بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد، ونقص التمويل المزمن، وغير ذلك من القيود على الموارد
واستدركت “إن صناع السياسات في اليمن يواجهون فجوة كبيرة في استعداد تمويل المناخ، مما يعيق تطوير استراتيجيات شاملة ومنخفضة الانبعاثات ومرنة في مواجهة المناخ. ويسلط فشل اليمن في التصديق على اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 الضوء على مدى المشكلة. لقد منع عدم الاستقرار السياسي والحوكمة المجزأة اليمن من الالتزام الكامل بالاتفاقيات المناخية الدولية، مما أدى إلى عزل البلاد عن المبادرات العالمية التي يمكن أن تساعدها في تمويل العمل المناخي”.
وأوصت الباحثة أفراح ناصر أن الطريق إلى التغلب على الأزمات المزدوجة المتمثلة في تغير المناخ والصراع يتطلب نهجًا مركّزًا ومتكاملًا. وينبغي أن يبدأ هذا بالإصلاحات المؤسسية المطلوبة بشدة لإنشاء إطار ينسج بسلاسة التكيف مع المناخ في استراتيجيات بناء السلام والتنمية الأوسع نطاقًا.