انتقد الكاتبان الأمريكيان جوناثان هوفمان، وبنيامين جيلتنر، النهج الذي تنتهجه واشنطن في التعامل مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، معتبرين إياه مثالا واضحًا على "الإهمال الاستراتيجي" كونه - بحسب تعبيرهما -، سيفشل كما أنه مكلف للغاية، ويعرض حياة أفراد الخدمة الأميركية المتمركزين في المنطقة لحماية السفن الأجنبية في المقام الأول للخطر. هذا بالإضافة إلى أنه يخاطر بزعزعة استقرار اليمن والمنطقة على نطاق أوسع.
وفي مقال تحليلي نشره موقع the responsible statecraft, التابع لمعهد كوينزي الأمريكي، يرى الكاتبان أن الحملة العسكرية الأميركية ضد الحوثيين لا تزال غير ناجحة مشيرين إلى أن هنالك ثلاث مشاكل رئيسية في استراتيجية واشنطن الحالية تجاه الحوثيين.
أولى المشاكل -برأييهما - هي خلوها من الأهداف السياسية الملموسة والقابلة للتحقيق في حين يثقل كاهل دافعي الضرائب الأميركيين بتكاليف باهظة. فبحسب مسؤولين أميركيين، تهدف الجهود العسكرية الأميركية إلى "استعادة الردع". وقد أسقطت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 150 طائرة بدون طيار وصاروخا للحوثيين. وبالمقارنة مع صواريخ وطائرات بدون طيار للحوثيين - والتي تكلف كل منها حوالي 2000 دولار أميركي - فإن تكلفة كل طائرة بدون طيار تبلغ حوالي 2000 دولار أميركي. وحتى الآن، أنفقت واشنطن أكثر من مليار دولار على الذخائر لضرب الحوثيين واعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار القادمة.
ولكن هذه الجهود، بحسب المقال، فشلت في ردع الحوثيين، ومن غير المرجح أن تنجح. فالحوثيون يرون أن الفوائد المترتبة على شن هذه الهجمات ــ أي الفائدة السياسية المترتبة على التلويح بدفاعهم عن القضية الفلسطينية ــ تفوق التكاليف التي تفرضها الولايات المتحدة. والواقع أن أغلب الهجمات التي نفذها الحوثيون وقعت بعد أن بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها حملتها الانتقامية، وهو ما يُظهِر بوضوح أن الجهود الأميركية فشلت في ردع المزيد من العنف.
واستبعد المقال أيضاً أن تتمكن الولايات المتحدة من تقليص قدرات الحوثيين إلى الحد الذي يجعلهم غير قادرين على مهاجمة السفن العابرة للبحر الأحمر. واعتبر بأن إدراك المسؤولين الأميركيين ماوصفها بالفجوة بين هذه الحملة العسكرية وأهدافها السياسية الظاهرة "أمرا مثيرًا للسخرية".
وقال بإنه ورغم أن هجمات الحوثيين عطلت حركة الشحن العالمية، وحرية الملاحة عبر البحر الأحمر، فإن التدخل العسكري الأميركي لم يحل هذه المشكلة. فقد انخفضت حركة الشحن التجاري عبر البحر الأحمر بشكل كبير نتيجة لهجمات الحوثيين. وقد بُذِلت جهود كبيرة لإعادة توجيه هذه السفن ــ التي تتجه أغلبها إلى أوروبا ــ مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وبعض التأخيرات، وخاصة بالنسبة للسفن والمستهلكين الأوروبيين.
لا يشكل ناقوس موت للاقتصاد العالمي. فقد كان التأثير الأكبر على هوامش الربح لبعض الشركات بسبب ارتفاع تكاليف الوقود وزيادة أقساط التأمين. ولكن الحملة العسكرية الأميركية تجعل الوضع أسوأ، وتؤجج الصراع وتؤدي إلى تعرض المزيد من السفن لنيران الحوثيين.
وعلاوة على ذلك، فإن حماية هذه الممرات البحرية، كما يعترف البنتاجون، "مشكلة دولية تتطلب حلاً دولياً"، وليست مسؤولية دافعي الضرائب الأميركيين وحدهم. وبالتالي رأى المقال بأن من الحكمة أن تعترف واشنطن بهذا، وطالب واشنطن أن تضغط على الدول الأوروبية والآسيوية لتولي دور أكثر استباقية في الدفاع عن الشحن في البحر الأحمر، نظراً لأن لديها عدداً أكبر من السفن التي تعبر هذه المياه مقارنة بالولايات المتحدة.
ثانياً، يرى الكاتبان استمرار المناوشات العسكرية بين الولايات المتحدة والحوثيين يهدد بمزيد من زعزعة استقرار اليمن الذي مزقته الحرب بالفعل. فقد وصلت المناقشات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء هذا الصراع الكارثي إلى طريق مسدود الآن، حيث تعوقها المناوشات العسكرية المستمرة بين الولايات المتحدة والحوثيين. ويهدد استمرار العمل العسكري الأميركي ضد الجماعة بتعريض الهدنة الضمنية الهشة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين للخطر، كما يهدد بتفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن.
أما بالنسبة للمشكلة الثالثة، وفق المقال، فهي أن الصراع بين الولايات المتحدة والحوثيين يهدد بتفاقم التوترات الإقليمية المتنامية، مما يدفع الشرق الأوسط نحو حرب إقليمية واسعة النطاق. ففي الأشهر الحادي عشر تقريبا منذ بدأت حرب إسرائيل في غزة، شهد الشرق الأوسط زيادة في التصعيد العسكري الممتد عبر المنطقة. وتتجذر الأعمال العدائية الحالية بين الحوثيين والولايات المتحدة في هذا السياق.
وختم المقال بالقول بأنه وفي ظل عدم وجود نهاية في الأفق للحرب في غزة والمخاوف من تنامي الحرب الإقليمية، فإن اليمن لديه القدرة على أن يكون نقطة اشتعال مهمة في مثل هذا الصراع ،لافتا إلى أنه إذا كان هدف الولايات المتحدة هو إقناع الحوثيين بوقف هجماتهم وتجنب الانجرار إلى حرب إقليمية أخرى، فمن غير المرجح للغاية أن تحقق القوة العسكرية هذه الأهداف.