مفارقات عجيبة تشهدها البلاد، في قضايا ذات اهمية استراتيجية بالنسبة لمستقبل وحياة شعب يعاني الأمرّين منذ عقد من الزمن.. وما بين الحديث عن انفراجه مهمة شهدتها مشاورات مسقط بشأن الأسرى، والتي انتهت دون إطلاق أسير واحد، وكذا الحديث عن انفراجه في أزمة اختطاف طائرات اليمنية الأربع من قبل مليشيات الحوثي الارهابية "وكلاء ايران"، دون معرفة أي معلومات حول مصيرها، وصولًا إلى الحديث عن جاهزية خارطة الطريق للسلام الشامل والعادل في البلاد.
مشاورات بلا إفراج
تعددت التصريحات التي تحدثت عن ايجابية المشاورات التي احتضنتها العاصمة العمانية مسقط خلال الايام الماضية، بين وفدي الحكومة ومليشيات الحوثي المعنيين بالأسرى، والتي كانت آخرها تصريح المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبيرغ التي قال فيها:" بأنه تم تحقيق انفراجه كبيرة بشأن الأسرى".
ولأول مرة يتم الحديث عن ايجابية وانفراجه في مشاورات أسرى، دون الاتفاق عن اطلاق أسير واحد، بل تم التأكيد إلى تأجيل المشاورات إلى ما بعد شهرين، وليس ايام، وهو ما يؤكد فشل تلك المشاورات وليس تحقيق أي انفراجه كما وصفها المبعوث الأممي.
وما يؤكده المراقبون للشأن اليمني، بأن أي عملية تفاوض مع مليشيات الحوثي الايرانية المعروف عنها انها "لا ترعى عهدا ولا تلتزم بأي اتفاق"، تكون التصريحات مخالفة للواقع ومطمئنة للراي العام، حتى لا يفقد المواطن البسيط المنهك الأمل بالتوصل إلى سلام دائم.
ووفقًا للمراقبين، فإن المبعوث الأممي في تصريحه يوم الأحد حول مشاورات مسقط، حاول طمأنة الراي العام المحلي والدولي بأن الأوضاع في اليمن تسير وفقًا لما تسعى إليه الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين، رغم ذلك ألمح الرجل إلى وصول تلك المشاورات لطريق مسدود، وذلك بقوله :" على الرغم من التقدم الإيجابي، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وبوتيرة أسرع، للتخفيف من معاناة هذه الأسر".
مشاورات الرجل الواحد
وشهدت جولة مشاورات الأسرى التاسعة بين أطراف الصراع في اليمن، مخالفة لمسارها المرسوم والمعلن من جميع المعنيين بأنها ستكون مفاوضات مبنية على قاعدة إطلاق سراح جميع الأسرى" الكل مقابل الكل"، لكنها اقتصرت على مشاورات اطلاق سراح اسير ومختطف واحد تمثل بالسياسي "محمد قحطان".
وفي هذا الصدد قال المبعوث الأممي في تصريحه :" أن المفاوضات أسفرت عن انفراجه مهمة، حيث توصلت الأطراف إلى تفاهم حول إطلاق سراح محمد قحطان، وهو الأمر الذي كان مثار خلاف لسنوات".
الأمر ذاته ركز عليه مسؤول وفد الحوثي عبدالقادر مرتضى بقوله على "إكس"، " استكمال مشاورات مسقط بعد الاتفاق على بعض النقاط أهمها حل الإشكالية بشأن السياسي محمد قحطان، وتبادل بعض من قوائم الأسرى.
وكما هي القضايا المصيرية لليمنيين، لا يُعرف على وجه الدقة عدد الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين حاليًا، لذا اقتصرت المشاورات على "قحطان" دون سواه، وهو ما يثير مزيد الأمور المتعلقة بمصير اليمنيين غموضا، وتجعلها مثار لمئات التساؤلات ، وكذا السخرية.
طريق مسدود
ووفقًا لمراقبين للشأن اليمني، فإن مشاورات مسقط، وصلت إلى طريق مسدود، تاركة ملفًا إنسانيًا شائكًا يواجه أزمة جديدة بسبب تعنت مليشيات الحوثي، التي تواصل المراوغة وتتبع سياسة التنصل والعودة عن جميع ما تلتزم به، وهي سياسة ايرانية يتم اتباعها من قبل طهران في جميع مشاوراتها مع الغرب ووكالة الطاقة الدولية بشأن ملفها النووي، وقضايا انتهاك حقوق الانسان في أراضيها.
وبحسب تصريحات المتحدث باسم الوفد الحكومي، ماجد فضائل؛ لم تُبدِ مليشيات الحوثي أي جدية في التوصل إلى حلول تنهي معاناة الأسرى والمختطفين الذي مضى على بعضهم نحو عقد من الاحتجاز.
ويرى المراقبون أن تعنت المليشيات الحوثية، وتجزئتها للملف، ورفضها الوفاء بتعهداتها، كلها عوامل أدت إلى إفشال هذه الجولة، كما أفشلت جولات سابقة، لكنها استغلت المطالبة من الطرف الآخر بمعرفة مصير قحطان، لتحويل مسار المشاورات من قاعدة "الكل مقابل الكل" إلى معرفة مصير اسير واحد، ونجحت في ذلك.
ووفقًا لمصادر متعددة، فقد رفض ممثلو حزب الإصلاح في الوفد الحكومي مبادلة أي قوائم قبل ان يحدد الحوثي مصير القيادي في صفوف الحزب محمد قحطان، ومعرفة يتم التفاوض بشأن إطلاق أسرى أحياء أو أموات، لذا انتهت المشاورات دون أي تقدم.
وحسب تلك المصادر، فإن مليشيات الحوثي استغلت موقف الاصلاح إعلاميًا، وتمكنت من نشر اخبار وتصريحات تمويه واكاذيب مقابل صمت وارتباك وعدم تواصل أدى الى صدامات إعلامية بين أطراف الشرعية، بل حتى خلق نوع من الخلافات الغير معلنة.
اتهام رسمي للحوثيين
وفي هذا الصدد، نقلت "الشرق الأوسط" السعودية، عما اسمته مصدر يمني مسؤول، اتهامه وتحميله للحوثيين فشل مشاورات مسقط، وقوله " أنه رغم الأجواء الإيجابية والاختراق الذي جرى في جولة التفاوض التاسعة، إلا أن ميليشيا الحوثي عملت بكل طاقتها على إفشال عملية التبادل في هذه الجولة".
وأضاف المصدر: "أفشلوا هذه الجولة لأنهم لا يقيمون وزناً لأسراهم وعناصرهم، ورفضوا إجراء أي عملية تبادل في هذه الجولة".
من جانبه عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، جدد تأكيده خلال اتصال هاتفي بالسفيرة البريطانية لدى اليمن عبده شريف يوم الاحد، استعداد مجلس القيادة الرئاسي، لأي مفاوضات قادمة لإنهاء الصراع في اليمن، مشيرًا الى انه تم تشكيل فريق تفاوضي من قبل المجلس، باعتباره الممثل لكل الأطراف المنضوية في إطار المجلس، مشيرًا إلى ان مليشيات الحوثي المصنفة إرهابيًا، تواصل تعنتها ورفضها لكل دعوات الحوار.
يأتي ذلك فيما أطلق عبدالملك الحوثي زعيم المليشيات الإيرانية في اليمن، تهديدات جديدة بأنه سيقوم بتوسيع العمليات الارهابية في البر والبحر وعلى جميع الاطراف في حال لم يتم تخفيف القيود الاقتصادية التي فرضت على عناصرها الإرهابية.
خطاب الحوثي ،الاحد، جاء ليؤكد ما ذهب إليه الزبيدي في حديثه مع السفيرة البريطانية، بأن الحوثيين لا يرغبون في السلام وإنما يسعون إلى إشعال جبهات القتال وتوسيع عملياتهم في تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن والمنطقة.
اخيرًا: تبقى مليشيات الحوثي هي محور الشر بالنسبة لليمنيين، والمسبب الرئيسي لما وصلت إليه الأمور في البلاد منذ انقلابها على الدولة، ومشاركتها في فوضى 2011، فكل ما تمارسه وتقوم به الجماعة الإيرانية فرض خيارات وأجندة إيرانية لتحقيق مشروع الخميني بالهيمنة على العالم العربي وطرق الملاحة الدولية في المنطقة، لتحقيق حلم "عودة الإمبراطورية الفارسية".