دخل بني إسرائيل إلى أرض فلسطين لأول مرة بعد خروجهم من فترة «التية» على يد نبي الله يوشع بن نون، الذي يعد أول من فتح بيت المقدس.
ويوشع بن نون، كان من تلاميذ النبي موسى، وذكره الله تعالى في القرآن غير مصرح باسمه في قصة سيدنا موسي والخضر وذلك في قوله تعالي:«وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ» «فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ»، و«ثبت في الصحيح من رواية أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أنه يوشع بن نون».
وذكر ابن كثير، في كتابه «قصص الأنبياء» أنه «يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب، بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وأهل الكتاب يقولون: يوشع ابن عم هود».
لم يخرج أحد من«التيه»، الذي عاقب الله به بني إسرائيل بعد رفضهم لقتال القبائل الكنعانية التي كانت تسكن المدينة المقدسة في فلسطين وكانت مدة التيه 40 عاما مات فيها نبي الله موسى، إلا اثنين، منهم يوشع بن نون، الذي قاد بني إسرائيل لقتال الجبارين.
وذكر ابن كثير أن «يوشع كان الذي خرج ببني إسرائيل من التيه، وقصد بهم بيت المقدس، فقال أهل التاريخ، أنه قطع ببني إسرائيل نهر الأردن وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سوراً وأعلاها قصوراً، وأكثرها أهلاً، فحاصرها ستة أشهر، ثم إنهم أحاطوا بها يوماً وضربوا بالقرون (يعني الأبواق) وكبروا تكبيرة رجل واحد، فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدة، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثني عشر ألفاً من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكاً كثيرة ويقال إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكاً من ملوك الشام».
كما سردّ المؤرخون ابن كثير، وابن الأثير في «الكامل»: «المعركة الأخيرة التي بدأت في يوم الجمعة، وأوشك اليهود على تحقيق الانتصار، لكن الشمس قاربت على المغيب، وكان اليهود لا يعملون ولا يحاربون يوم السبت، فخشى يوشع بن نون أن يذهب النصر، فنظر يوشع إلى الشمس وقال: (إنك مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها علي)، فتوقفت الشمس مكانها، وظلت واقفة إلى أن فتح بيت المقدس ودخله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس)».
وذكر البخاري ومسلم، في صحيحيهما: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بُضْع امرأة، وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنياناً ولم يرفع سُقفها، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها)، قال: فغزا فدنا من القرية حين صُلي العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ شيئاً فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا، فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه، فقال فيكم غُلول فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول أنتم غللتم. قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا».
وذكر ابن كثير أنه «لما دخل يوشع بهم باب المدينة أمرهم أن يدخلوها سجداً أي ركعاً متواضعين شاكرين لله عز وجل على ما مَّن به عليهم من الفتح العظيم، الذي كان الله وعدهم إياه، وأن يقولوا حال دخولهم {حِطَّةٌ} أي حط عنا خطايانا التي سلفت؛ من نكولنا الذي تقدم منا، وأما بنوا إسرائيل فإنهم خالفوا ما أمروا به قولاً وفعلاً؛ فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حبة في شعرة، وفي رواية: حنطة في شعرة، وحاصله أنهم بدلوا ما أمروا به واستهزأوا به، كما قال تعالى حاكياً عنهم في سورة الأعراف وهي مكية: (وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ)».
ويقول «ابن كثير»: «ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه، وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب التوراة حتى قبضه الله إليه، وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعاً وعشرين سنة»