الاثنين ، ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ ساعة ٠٩:٤٨ صباحاً

شاهد

وفاة 800 خلال يوم واحد في إيطاليا.. القصة من البداية لما فعله كورونا بالبلد الذي تملأه التوابيت

عندما توفي أدريانو تريفيسان، الجمعة 21 فبراير الماضي، في مستشفى قريب من بادوا بشمال إيطاليا، كان أولَ ضحايا فيروس كورونافي أوروبا، شهر واحد يفصلنا عن ذلك اليوم، شهر أقرب إلى دهر، شهد وفاة أكثر من أربعة آلاف شخص وبدَّل وجه إيطاليا إلى غير رجعة، وقد أصبحت الآن مليئة بتوابيت الضحايا.

لم يخطر ببال أي من الإيطاليين الستين مليوناً أنه سيضطر إلى التزام حجر منزلي صارم، لا أحد يدري متى سيُرفع، وأن الصمت سيلفُّ البلد والمراكب سترسو على أرصفة فينيسيا حتى إشعار آخر، وأن زقزقة العصافير ستتردد في أرجاء روما وميلانو.

يوم وفاة أريانو تريفيسان، وهو عامل بناء متقاعد يبلغ من العمر 78 عاماً، والذي كان يحب صيد السمك ولعب الورق مع رفاقه في الحانة بقرية فو، كان مصمما الأزياء فيرساتشي وفرانكي موريلو يعرضان مجموعات الخريف في ميلانو. وفق ما ذكر تقرير نشره موقع “عربي بوست”.

كذلك، كان مشجعو فريق لاتسيو روما يحلمون بأن ينافس فريقهم على لقب الدوري الإيطالي لكرة القدم الذي تُوِّج به للمرة الأخيرة في عام 2000، لا سيما أنه كان يحتل المركز الثاني في الترتيب بفارق نقطة فقط عن المتصدر وحامل اللقب يوفنتوس.

كذلك كانت المطاعم والحانات المكتظة مليئة بأصداء مناقشات وأحاديث حول هشاشة حكومة جوزيبي كونتي.

أما السياح فكانوا يتقاطرون إلى “ساحة قيصر” حيث تم اكتشاف تابوت حجري يُعتقد أنه يعود لمؤسس المدينة الخالدة رومولوس، وصدر عن معهد الإحصائيات نبأ سارٌّ، إذ أعلن أن الطلبيات التي تلقتها المصانع الإيطالية سجلت في ديسمبر/كانون الأول، زيادة بنسبة 6% عن الشهر ذاته من السنة السابقة.

كيف انقلبت الحياة؟ 

مع ظهور الوباء بدأ وجه إيطاليا يتغير، حيث أُغلقت المتنزهات في نحو عشر مناطق بشمال البلاد، واتُّخذت تدابير حجر، لا سيما في كودونيو قرب لودي، وسط تهافت الصحفيين إلى المنطقة، معظمهم بلا كمامات. لكن رئيس الوزراء كان لا يزال يطمئن المواطنين قائلاً: “كل شيء تحت السيطرة”، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

لكن غداة وفاة أدريانو تريفيسان، تصدَّر فيروس “كورونا المستجد” الصحف الإيطالية تحت عناوين مثل: “إيطاليا تخشى انتقال العدوى” و”خوف في الشمال”.

لكن الخوف لن يستولي فعلاً على الإيطاليين إلا في السابع والثامن من مارس/آذار 2020، حين فُرضت تدابير الحجر المنزلي على عشرة ملايين نسمة، وسط زيادة حادة في الإصابات بشمال البلاد، لا سيما في لومبارديا.

كذلك فرَّ آلاف السكان، متوجهين في غالب الأحيان إلى الجنوب الذي يتحدرون منه، وجميعهم معرَّض لحمل العدوى، وبين المصابين بالمرض في بوليا عند أقصى جنوب شرقي إيطاليا، عديد من أهالي النازحين، وقضى 26 شخصاً في هذه المنطقة.

في ليل التاسع إلى العاشر من مارس/آذار 2020، أطل جوزيبي كونتي على مواطنيه بنبرة وجوم، ليعلن توسيع تدابير الحجر المنزلي لتشمل البلد بأَسره، فتم إغلاق المتاجر غير الأساسية ومنع التنقل إلا للضرورات القصوى والمهنية، وحظر التجمعات وضمنها القداسات، وحذّر بأن النتائج ستظهر بعد أسبوعين.

بدت هذه التدابير سريالية لعديدين، وفي اليوم التالي، تم تغريم أشخاص شاركوا في جنازة بصقلية، وانتشر فيديو على فيسبوك يظهر فيه رئيس بلدية ديليا، وهي مدينة صغيرة في الجزيرة، جيانفيليبو لانكيري، وهو يقول مستنكراً في نوبة غضب: “حين يقولون لي سيدي رئيس البلدية، لا يُفترض بك أن تُفزع الناس! إنها جائحة! ليست وباء، بل وباء عالمي! ولا يُفترض بنا أن نفزع الناس؟”.

يوم فارِق..

في هذه الأثناء كان الإيطاليون يتابعون الحصيلة اليومية التي ترتفع يوماً بعد يوم، إلى أن تخطت في يوم الجمعة عتبة 600 وفاة في 24 ساعة. وأُغلقت الكنائس، في حين تشكَّلت صفوف انتظار طويلة أمام السوبرماركات، حيث لا يدخل الناس إلا بأعداد ضئيلة. 

أما مراسم الدفن، فأصبحت مقتصرة على أقرب الأقرباء ويتم تنفيذها بسرعة، وباتت الشرطة تتثبت يومياً من أوراق 200 ألف شخص، وقد يساندها الجيش قريباً.

الآن ومع التفشي الكبير لـ”كورونا”، سجلت إيطاليا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط، 800 حالة وفاة جديدة بالفيروس، ليصل إجمالي الوفيات إلى 4825، في حين وصل عدد الإصابات إلى 42 ألفاً و681.

كان لكلمة جوزيبي كونتي وقع الصدمة على الإيطاليين الذين يفهمون الوضع بمعظمهم. وهم ينظرون بذعر إلى جيرانهم الفرنسيين وهم يحتفلون بالآلاف بتأهل نادي باريس-سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا، أو ينظمون الدورة الأولى من انتخاباتهم البلدية، فيصوّرون فيديوهات يحذّرون فيها بقية العالم: “حاضرنا هو مستقبلكم”.

ماذا بعد؟

سيتم تمديد تدابير الحجر المنزلي المقررة بالأساس حتى 3 أبريل/نيسان 2020، وهو إجراء يحظى بتأييد شبه كامل بين الإيطاليين، وفق استطلاع للرأي نُشرت نتائجه في صحيفة “لا ريبوبليكا”، الخميس.

“الزم المنزل”، ذلك هو الشعار الجديد للإيطاليين الذين يطلُّون منذ 10 مارس/آذار 2020 من شُرفاتهم أو نوافذهم، ليغنُّوا أو يعزفوا موسيقى أو يصفقوا للفرق الطبية، تبعهم إلى ذلك أشخاص في شتى أنحاء العالم مثل باريس ومدريد وبرشلونة وسراييفو.

لكن نائب رئيس الصليب الأحمر، الصيني سون شوبينغ، الذي قصد إيطاليا ليضع خبرته في التعامل مع وباء انطلق من بلاده، في خدمة الإيطاليين، رأى أن “التدابير المتخذة هنا غير صارمة بما يكفي”، ونبَّه السلطات: “عليكم وقف أي نشاط اقتصادي، يجب أن يبقى الجميع في منازلهم”.