أردت أن أختم كتابي الجديد “المسيح عيسى بن مريم” بشرح أعظم آية في كتاب الله عز وجل، وكيف عرف الله سبحانه وتعالى ذاته لخلقه من خلال (آية الكرسي) التي هي أعظم آية في كتاب الله تعالى، إذ كل ما فيها متعلق بالذات الإلهية العلية، وناطقة بربوبيته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه، فهذه الآية تملأ القلب مهابة من الله وعظمته وجلاله وكماله، فهي تدل على أن الله تعالى منفرد بالألوهية والسلطان والقدرة، قائم على تدبير الكائنات في كل لحظة، ولا يغفل عن شيء من أمور خلقه وهو مالك كل شيء في السماوات والأرض.وتعد آية الكرسي من أعظم الآيات في كتاب الله، إذ كل ما فيها متعلق بالذات الإلهية العليا وناطقة بربوبيته تعالى، وألوهيته وأسمائه وصفاته الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه. وهذه الآية تملأ القلب مهابة من الله وعظمته وجلاله وكماله، فهي تدل على أن الله تعالى منفرد بالألوهية والسلطان والقدرة، قائم على تدبير الكائنات في كل لحظة، لا يغفل عن شيء في السماوات والأرض.
وهذه الآية (الكرسي) لها شأن عظيم، فقد صح الحديث عن رسول الله بأنها أفضل آية في كتاب الله عز وجل، قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون (254) الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم (255) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256)﴾ (سورة البقرة). ويمكننا شرح هذه الآية العظيمة التي تحدث الله فيها عن نفسه عز وجل:
الله لا إله إلا هو﴾:
أي: لا خالق ولا معبود بحق وصدق إلا (الله) عز وجل وكل ما سواه باطل أصلا، وهذه الآية أصل في التوحيد: واحد ليس له شريك، ولا نظير ولا وزير ولا مشير، ومعناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله. فهو الإله الحق الذي نتمنى أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأليه له تعالى، لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه ممتثلا أوامره متجنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل فعبادة ما سواه باطلة، لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادةالله): الله دال على كونه مألوها معبودا تؤلهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنوائب.
(الله) هو اسم علم دال على ذات الله تعالى رب العالمين، الإله المعبود حقا متصف بجميع الكمالات المطلقة التي لا تعد ولا تحصى ولا تحد ولا تستنقص، ومتنزها عن جميع العيوب والآفات ولم يتسم بهذا الاسم غيره سبحانه.
(الله) هذا الاسم الجليل، تعلقت به جميع العوالم بذاتها وبأنواعها قال تعالى:﴿ياأيها ٱلناس أنتم ٱلفقراء إلى ٱلله وٱلله هو ٱلغني ٱلحميد﴾ (فاطر:15)، فجميع العباد يقولون: يا الله، دعاء او سؤالا، نداء او ذكرا أو مناجاة.
(الله) هذا الاسم هو جامع الأسماء الإلهية: الظاهرة والباطنة، على الوجه الذي لا نهاية له كما هو أهله سبحانه؛ لأنه أسماءه تعالى هي على حسب صفاته كما له وصفات كماله مالها نهاية، فأسماؤه ما لها نهاية، ولهذا الاسم الجليل خصائص وفضائل كثيرة مذكورة في كتب المطولات.
﴿الحي القيوم﴾:
مدح الله تعالى نفسه بصفتين جليلتين جميلتين فقال: (الحي القيوم).
(الحي) الذي لا يموت: الحي في صفة الله تعالى، وهو الذي لم يزل موجودا وبالحياة موصوفا لم تحدث له الحياة بعد الموت، ولا يعتريه الموت بعد حياة وسائر الأحياء سواء، يعتريهم الموت والعدم، فكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى.
(الحي): من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك.
والحياة التي وصف بها الإله الواحد هي (الحياة الذاتية) التي لم تأت من مصدر آخر، كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق، ومن ثم ينفرد الله سبحانه بالحياة على هذا المعنى كما أنها هي الحياة الأزلية الأبدية التي لا تبدأ من مبدأ، ولا تنتهي إلى نهاية.
(القيوم) أي: دائم القيام بجميع شؤون الخلق، وهو القائم على كل شيء، فالله عز وجل قائم بتدبير خلقه في إيجادهم وأرزاقهم وجميع ما يحتاجون إليه.
القيوم): هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم بجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين، من فعله ما يشاء، من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري.
إن صفة (الحياة) متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة (القيومية) متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، هو اسم (ٱلحي ٱلقيوم). ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم -إذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم.
الكرسي هو كناية في الآية عن عظم العلم وشموله واتساعه وتفسيره بعظم السلطات يتناسب مع قوله تعالى بعد ذلك: (ولا ئوده حفظهما) وتفسيره بمعنى شمول العلم يتناسب مع قوله سبحانه قبل ذلك (ولا يحيطون بشيء من علمه)
﴿لا تأخذه سنة ولا نوم﴾:
هذا من تمام حياته وقيوميته، أنه تبارك وتعالى (لا تأخذه سنة ولا نوم)، أي: لا يعتريه نعاس ولا نوم؛ لأنهما من أعراض البشرية، والله بخلاف ذلك.
(السنة): ابتداء النعاس، ثم يصير نوما، و(النوم) أقوى من السنة، وإذا كان ذلك كذلك فإن: نفي استيلاء السنة والنوم على الله تعالى تحقيق لكمال (الحياة) ودوام التدبير وإثبات لكمال (العلم)، والمراد بهذه الآية أن الله تعالى لا يدركه خلل ولا يلحقه ملل بحال من الأحوال.
﴿له ما في ٱلسمٰوٰت وما في ٱلأرض﴾:
لما كان الله سبحانه وتعالى دائم القيام في ملكه، وليس لأحد معه تعالى فيه شركة ولا لأحد عليه سلطان، قرر عز وجل قيوميته هذه بقوله (له مافي السماوات وما في الأرض)، أي: جميع من فيهما وما فيهما ملكه، يتصرف وحده بحكمته وقدرته وعنايته، وأن جميع عبيده وملكه تحت قهره وسلطانه.
﴿ من ذا ٱلذي يشفع عنده إلا بإذنه ﴾:
أي: ليس لمخلوق كائنا من كان، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل: شفاعة ولا ضراعة عند الله عز وجل إلا برضاه وبعد إذنه، فإن (الشفاعة) كلها لله وحده وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه له من الله في الشفاعة. إن الله تعالى لا يشفع عنده أحد بحق وإدلال؛ لأن المخلوقات كلها ملكه ولكن يشفع عنده من أراد هوا أن يظهر هوا كرامته عنده، فيأذن له بأن يشفع فيمن أراد.يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم﴾:
أي: إن الله عز وجل عالم بكل ما في السماوات وما في الأرض من شؤون خلقه؛ ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ومن أمر الدنيا والآخرة، والمقصود من ذلك: عموم العلم بسائر الكائنات في الأرض وفي السماوات. وإن الله عز وجل عالم بجميع المعلومات لا يخفى عليه شيء من أحوال جميع خلقه حتى بعلم دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء تحت الأرض الغبراء، وحركة الذرة في جو السماء والطير في الهواء والسمك في الماء، فلا تخفى عليه غائبة في الأرض ولا في السماء ولا ما بينهما، فهو عالم بخفايا وأسرار ملكه ومخلوقاته سبحانه وتعالى.