عتاب الله لرسوله، أشار الشيخ محمد سيد طنطاوي في تفسير لسورة عبس إلى عتاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه الأعمى وهو يدعو جماعة من قريش إلى الإسلام، كما أوضح من هو الأعمى المذكور في الآية الكريمة.
سورة عبس
قال تعالى: «عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)».
تفسير الشيخ محمد سيد طنطاوي لمستهل سورة عبس
قال الشيخ محمد سيد طنطاوي: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات ملخصها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أحد الأيام، مع جماعة من زعماء قريش يدعوهم إلى الإسلام، ويشرح لهم تعاليمه.
فأقبل عبد الله بن أم مكتوم- وكان كفيف البصر- فقال: أقرئنى وعلمني مما علمك الله، يا رسول الله، وكرر ذلك، وهو لا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بدعوة هؤلاء الزعماء إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بسبب إسلامهم خلق كثير، فلما أكثر عبد الله من طلبه، أعرض عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات التي عاتب الله- تعالى- فيها نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا الإعراض... فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه، إذا رآه، ويقول له: «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويبسط له رداءه.
سورة عبس الآية 2
من هو الأعمى؟
وأضاف الشيخ طنطاوي: قال الآلوسى: وعبد الله بن أم مكتوم، هو ابن خال السيدة خديجة، واسمه عمرو بن قيس. وأم مكتوم كنية أمه، واسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية، واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة أكثر من مرة، وهو من المهاجرين الأولين. قيل: مات بالقادسية شهيدا يوم فتح المدائن أيام عمر بن الخطاب- رضى الله عنه، ولفظ «عبس» - من باب ضرب- مأخوذ من العبوس، وهو تقطيب الوجه، وتغير هيئته مما يدل على الغضب، وقوله وَتَوَلَّى مأخوذ من التولي وأصله تحول الإنسان عن مكانه الذي هو فيه إلى مكان آخر.
والمراد به هنا الإعراض عن السائل وعدم الإقبال عليه، وحذف متعلق التولي، لمعرفة ذلك من سياق الآيات، إذ من المعروف أن إعراضه صلى الله عليه وسلم كان عن عبد الله ابن أم مكتوم الذي قاطعه خلال حديثه مع بعض زعماء قريش، وأل في قوله- تعالى-: الْأَعْمى للعهد. والمقصود بهذا الوصف: التعريف وليس التنقيص من قدر عبد الله بن أم مكتوم- رضى الله عنه- وكذلك في هذا الوصف إيماء إلى أن له عذرا في مقاطعة الرسول صلى الله عليه وسلم عند حديثه مع زعماء قريش، فهو لم يكن يراه وهو يحادثهم ويدعوهم إلى الإسلام.
وتابع الشيخ طنطاوي: وجاء الحديث عن هذه القصة بصيغة الحكاية، وبضمير الغيبة، للإشعار بأن هذه القصة، من الأمور التي لا يحب الله- تعالى- أن يواجه بها نبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التكريم له، والعطف عليه، والرحمة به، وجملة وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى في موضع الحال، وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب، و«ما» استفهامية مبتدأ، وجملة «يدريك» خبره.
والكاف مفعول أول، وجملة الترجي سادة مسد المفعول الثاني. والضمير في لَعَلَّهُ يعود إلى عبد الله ابن أم مكتوم المعبر عنه بالأعمى، والمعنى: عبس صلى الله عليه وسلم وضاق صدره، وأعرض بوجهه، لأن جاءه الرجل الأعمى، وجعل يخاطبه وهو مشغول بالحديث مع غيره، وَما يُدْرِيكَ أي: وأي شيء يجعلك- أيها الرسول الكريم- داريا بحال هذا الأعمى الذي عبست في وجهه لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي: لعله بسبب ما يتعلمه منك يتطهر ويتزكى، ويزداد نقاء وخشوعا لله رب العالمين أَوْ لعله يَذَّكَّرُ أي: يتذكر ما كان في غفلة عنه فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أي: فتنفعه الموعظة التي سمعها منك.