محمد المساح من رئيس تحرير أكبر صحيفة حكومية في اليمن صحيفة الثورة إلى راعي غنم في القرية بالعزاعز في الشمايتين جنوب محافظة تعز وقد بدأ حياته في كتاب القرية وانتقل مع والده إلى مدينة عدن في صباه للعمل والدراسة وهناك بدأ يتشكل وعيه وحب العلم فواصل الدراسة وهاجر إلى القاهرة حيث اكمل تعليمه الجامعي قسم اعلام وعاد إلى صنعاء ليكون مسؤول الإعلام بوزارة الخارجية ثم تعرض للسجن والتعسف استقال فتوظف بوزارة الإعلام
حتى برز كصحفي كبير كتب 50 عاما في عدة صحف محلية وعربية وقاد العمل النقابي والحقوفي إلى أن انتهى به المطاف إلى مسقط راسه يرعي”كسب” بسبب الإهمال الرسمي وتنكر الكل له ولدوره الريادي وعاش أيامه الأخيرة مع الهواجس وحزن عميق على ولده الذي اختفى في الحد الجنوبي للسعودية.
المساح المتميز فكرا وسلوكا وثقافة قادته قدماه حافيا إلى مسقط راسه وشد الرحال راعيا بكرامة لا يطلب الزملاء والاصدقاء مساعدة فهو الذي ذاع صيته خلال نصف قرن بعموده اليومي لحظة يا زمن فهو رجل صانع قرار على كل الأصعدة وشخصية مؤثرة في الصحافة فوصل صوته إلى العالم ولم يسمعه القريب ولم يتلمس همومه أحدا سوى الصديق الوفي عبدالرحمن بجاش والرائع سامي غالب.
كان محمد المساح دافى الصوت في مجتمع فقد عوامل الاستقرار والنمو في زمن تحول فيه لصوص المال العام وشذاذ الآفاق إلى قياصرة وباعة وطن الذين تحولوا إلى تجار من العيار الثقيل وهم ذئاب بشرية استوطنوا فنادق الرياض وعواصم الدنيا وفي صنعاء المختطفة دخل غزاة شاهدهم وهم يتحولون إلى قراصنة الأرواح وناهبي الأرض والعقارات والبنوك وعرق البسطاء فاختار العيش بين غنمه علها تفهم مناجاته أكثر من البشر ليصبح بعد عشر سنوات حرب في أقصى الريف محاربا من اقرب الناس له فهذا يريد سرقة أرضه وهذا يجره إلى متاهات الأمن والمحاكم ولم يعد قادرا على قسوة الحياة وشظف العيش في مجتمع الكراهية ولم يصدر عنه تصريح أو كلمة لما يعانيه من ظلم وتعسف .
وجد المساح نفسه في الطريق الذي بدأ موحشا وانتهى بعالم الى جوار ربه ليستقر هناك في العالم الٱخر .
وخلال الرحلة الطويلة بين الإبداع والنفي الاختياري بستحق جمع سيرته في كتاب يحمل ماساة المثقف اليمني في زمن الجحود لتوثيق حياته من المهد الى اللحد في تجربة حياة قاسية بدأت بالارتحال بعد مولده إلى عدن وجدة وتعلم فيها الصبر والكفاح من أجل البقا وانتهت بعزلة قاتلة في قرية نائية بعيدا الاضواء.
تحدث وكتب كثيرا في مرحلة الشباب وحاول ‘استنتاق” الزمن فلم يجب ” لا يزال صوته في مخيلتي وهو يقول اوجعونا تجار الحرب غسلوا أدمغة الشباب بمستقبل أفضل وفوجوهم إلى الموت فلم يعودوا كسروا قلوبنا باعز ما نملك وتواصلت مع الكل لمعرفة اين ابني ولم اجد إجابة عن مصيره لارتاح
لقد عشنا حياة معزولة بريف معزول وتركنا المدنية والحضارة..
لقد كانت كتاباته هي الضوء عبر الثورة والشورى وصحف اخرى فكان القلم المنير والنجم بين الصحفيين ولم يأبه للفقر ولا لشظف العيش حتى أصابه الإحباط والوهن نتيجة شحة العيش وسوء الحالة الاقتصادية التي مر بها فالراتب يأتي له بعد أربعة أشهر مع الغلاء فلا يستطيع توفير الطعام ومع ذلك صمد حتى ٱخر لحظة في الزمن الكارثة .
لديه حاسة شم لمعرفة الانتهازيين جناة الأموال والمناصب لأن ميوله الوطنية ترفض الانتهازية التي شفعت له مقارنة بميول أرباب الصحافة المرقمين بكشوفات الإعلام والأمن والجيش معا
وفي تفاصيل مراحل حياته لم يهتم بالمال والدنيا بل عاش اللحظة وترك الأمر لله وكان باستطاعته ان يكون ثروة ويجلس على كنز لكنه ٱثر التقشف والاحتفاظ بالكرامة فلم يسقط في البيع والشراء والتلميع وصفحاته خالية من التزلف والمجاملات فهو المتعلم القادم من الريف المسلح بوعي الثورة والفلاح الراعي الملتزم وشخصية الباحث عن المتعبين فهو بوصلة الوطنية والسهم الذي يقود إلى ثروة القيم الهائلة وتوعية المجتمع بما يدور في دهاليز السياسة بلغة رشيقة وقلم محترم منذ السبعينات من القرن الماضي حتى وفاته.
رحم الله المساح عاشق اللحظة .