الثلاثاء ، ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ ساعة ٠٥:٢٤ صباحاً

الرياضة النسائية… المرأة اليمنية تتحدى عوائق المجتمع

في مجتمع ذكوري محافظ تهيمن عليه تقاليد اجتماعية صارمة، تعد اليمنية أحلام السياغي، وهي لاعبة فروسية سابقة، واحدة من الفتيات والنساء القليلات في اليمن اللواتي اقتحمن مجال الرياضة. لكن الثلاثينية أحلام، لم تكن تتوقع أن تعرّضها لإصابة بليغة أثناء بروفة تدريبية، سيدفعها إلى ترك هذه الرياضة بعد اكتشافها مدى التجاهل الرسمي لها. تقول السياغي: “كنت أول فارسة يمنية تدخل هذا المجال، وتكسر حكر الرجال للفروسية، وقدمت الكثير من الإنجازات والبطولات لرياضة الفروسية، وفي إحدى البطولات سقطت بشكل مفاجئ من الخيل، أثناء البروفات، نتج عنه شرخ في الحوض، وتأذت فقرتان من العمود الفقري. كنت بحاجة للسفر إلى الخارج للعلاج، لكني لم أجد أية مساعدة من أي أحد بشكل رسمي”. وتضيف أحلام لـ”المشاهد”: “هذا ما جعلني أنسحب من هذه الرياضة، وأتوجه نحو الدراسة والعمل في مجال الإذاعة والتلفزيون…”. ومجال الرياضة في اليمن كان ولايزال في كثير من أنشطته حكراً على الرجال، بينما تواجه الرياضة النسائية إهمالاً حكومياً ونظرة مجتمعية قاصرة.

تمييز ضد المرأة الرياضية تقول هناء الفقيه، وهي لاعبة يمنية في مجال الفروسية أيضاً، إن “رياضة المرأة في اليمن مهمشة ومهضومة، بل مغيبة تماماً، ولا يوجد أدنى اهتمام بها”. وتضيف لـ”المشاهد”: “الرجال يتحكمون بكل شيء، وأقصوا المرأة، ولم يتيحوا لها فرصة لإثبات ذاتها، من خلال الهيمنة الذكورية على وزارة الشباب والرياضة”. على الرغم من كونها إحدى منتسبات وزارة الداخلية، تؤكد هناء عدم قدرتها على قضاء وقتها بممارسة أنشطة رياضية كالسباحة أو تنس الطاولة، في نادي ضباط الشرطة بصنعاء، متى ما أرادت ذلك. وتوضح أنهن عندما يذهبن إلى النادي، يتم منعهن بحجة أنه للرجال فقط! “يقولوا لنا روحوا بيوتكم ولا داعي للرياضة”، وتقول: “معاناة النساء هنا، والرياضيات تحديداً، لا توصف”.

ظهرت الرياضة النسائية في اليمن، عقب تخرج أول دفعة من الشرطة النسائية، عام 2002. لكنها ظلت مقتصرة على ألعاب محددة، بينها الرماية والفروسية والجودو وتنس الطاولة وكرة السلة والشطرنج وألعاب القوى

وتضيف أنهن كفارسات شعرن بجزء من الاهتمام عام 2014، لكن سرعان ما توقف الأمر، وأغلق نادي الفروسية في وجوههن، “ثم تشردنا كمنتخب، والآن نسينا ما هي الفروسية”. وظهرت الرياضة النسائية في اليمن، عقب تخرج أول دفعة من الشرطة النسائية، عام 2002. لكنها ظلت مقتصرة على ألعاب محددة، بينها الرماية والفروسية والجودو وتنس الطاولة وكرة السلة والشطرنج وألعاب القوى. وحسب إحصائيات متداولة، تنخرط اليوم مئات اليمنيات في أندية رياضية نسائية، بما فيها أندية للمعاقات حركياً، ومع ذلك تبقى هذه الأندية غير نشطة ومحدودة ومتركزة في العاصمة صنعاء وبعض المدن الرئيسة. تقول لمياء الدعيس، وهي لاعبة كرة سلة، لـ”المشاهد”: “هناك نوادٍ قليلة مخصصة للنساء، وغير مجهزة بالمعدات الرياضية، أيضاً اللاعبات أعدادهن قليلة جداً، نتيجة غياب الوعي المجتمعي، والحظر المفروض على النساء”. وتستطرد: “تنظيم البطولات النسائية محدود جداً، بالنسبة لنا كلاعبات كرة سلة في نادٍ حكومي، ليس لدينا مدرب، ولا أي مستلزمات، كل شيء من جهودنا الشخصية. حبنا وشغفنا للعبة يدفعنا لتدريب أنفسنا بأنفسنا، وشراء احتياجاتنا من مالنا الخاص. لذلك لا توجد استمرارية في هذه اللعبة أو غيرها”. وتؤكد لمياء (20 عاماً)، وهي طالبة في قسم الهندسة في جامعة خاصة بصنعاء، أنها لا تحظى بأي تشجيع من أسرتها للعب كرة السلة، “أسرتي دائماً تعارضني، وتفضل الاتجاه إلى التعليم، لكن حبي للعبة يجعلني أقسم وقتي للرياضة والدراسة”.

غياب الاهتمام الرسمي وتتفق مع جانب كبير من هذا الرأي، ميسون عبدالله، وهي بطلة يمنية في لعبة الكاراتيه، قائلة إن الجهات الرسمية والخاصة لا تشجع الفتيات على الاستمرار في اللعب. تؤكد ميسون (27 عاماً)، لـ”المشاهد” أنها تمارس هذه اللعبة منذ الصغر، “شاركت في 8 بطولات على مستوى الجمهورية تحت وزن 45، وفزت بميداليتين برونزيتين، ومثلهما فضية و4 ميداليات ذهبية”. وتستدرك: “لكنني كنت أستلم جائزتي المالية بعد 4 سنوات من انتهاء البطولة”. “هذا شيء مؤسف”، قالت ميسون، وهي متزوجة، وتنتمي لعائلة دبلوماسية متوسطة الدخل، قضى معظم أفرادها بالعمل خارج اليمن كسفراء وموظفين في السلك الدبلوماسي. وربما لهذا السبب هي لم تواجه مضايقات من أسرتها جراء ممارستها للرياضة، وتؤكد أن زوجها أيضاً منحها حرية مطلقة في الاستمرار بنشاطها الرياضي. لكن فرصة التشجيع الأسري الذي حظيت به ميسون عبدالله، لم يكن متاحاً للاعبات أخريات، حسبما أفادت لمياء الدعيس، التي قالت إن زميلات لها تركن الرياضة بمجرد زواجهن، نزولاً عند رغبة الزوج أو الوالدين، وضغوط اجتماعية وأسرية. ومع ذلك، تركت ميسون رياضة الكاراتيه نهائياً، معللة قرارها “بعدم الاهتمام الحكومي وتأهيل اللاعبات الذي يعد سبباً رئيساً في خسارة اليمن أغلب المشاركات الخارجية، وتوقف كثير من اللاعبات عن ممارسة الرياضة”. وفوق ذلك، تقول الكابتن بلقيس حسين، وهي مدربة سابقة للعبة البلياردو في نادي بلقيس الرياضي (حكومي)، قبل أن تعتزل، لتشغل حالياً منصب مسؤول قطاع المرأة في الاتحاد اليمني للبلياردو: “مشاركاتنا الخارجية هدفها دعائي، وتحقيق عائد مادي للمسؤولين، بدلاً من مراكز متقدمة تشرف اليمن”. تضيف بلقيس لـ”المشاهد”: “لا يوجد أي اهتمام من وزارة الشباب والرياضة بالرياضة النسائية، ولا دعم مادي أو معنوي. اللاعبات لا يحصلن على أي رواتب، حتى نحن لا نحصل على أي حقوق. وعندما كنت أنظم مباريات، أقدم الجوائز على حسابي الخاص، كنت أتقدم للجهات الرسمية بطلب طاولات وكرات ومسلتزمات للعبة، لكن دون جدوى. قدمت استقالتي من التدريب، وأنا كنت أول مدربة يمنية أنثى، بسبب إهمال الإدارة، وعدم الاستجابة لطلباتنا”. وفوق ذلك، تحرم اللاعبات من حقهن في المشاركة ببطولات عربية أو دولية. تقول بلقيس: “قبل 10 أيام تقريباً، اختتمنا بطولة النخبة في لعبة البلياردو، ويفترض بالفتاة التي حصلت على المركز الأول أن تتأهل مع الشباب، وتمثل اليمن في بطولات خارجية، لكن هذا لا يحدث، لأنه لا يوجد تشجيع ولا اهتمام”. وتؤكد بلقيس حسين أن من حق الشابات والنساء عموماً أن تكون لهن رياضتهن الخاصة، مثل النساء في مختلف دول العالم، “هناك لاعبات متميزات، وسيرفعن علم اليمن عالياً إذا أتيحت لهن الفرصة”. ورفض مسؤولون في وزارة الشباب والرياضة، التعليق لمعد التقرير على اتهامات الفساد، وما ورد في هذا التقرير.

إهمال الرياضة النسائية لم يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى منع وسائل الإعلام من تغطية هذا النوع من البطولات، بسبب “ثقافة العيب، وعادات وتقاليد المجتمع”، حسب قول أمينة عبيد، وهي لاعبة كرة سلة شهيرة، وألعاب أخرى كالبلياردو وتنس الريشة.

آراء متباينة وتتباين ردود المواطنين اليمنيين حول مدى تقبلهم لفكرة ممارسة المرأة الألعاب الرياضية، لكن الغالبية العظمى ترفض الفكرة جملة وتفصيلاً، معللين ذلك بأن ممارسة المرأة للرياضة تجعلها مسترجلة. ويقول الشاب نجيب علي: “المرأة مكانها في البيت، فأنا شخصياً أعارض فكرة أن تمارس المرأة الألعاب الرياضية”. وعلى العكس من ذلك، قال ماهر نصر، وهو شاب ثلاثيني وخريج جامعي، إن “من حق المرأة ممارسة الرياضة بحرية، والتمتع بحياتها كما تريد”. منع وسائل الإعلام من التغطية وعلاوة على ذلك، فإن إهمال الرياضة النسائية لم يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى منع وسائل الإعلام من تغطية هذا النوع من البطولات، بسبب “ثقافة العيب، وعادات وتقاليد المجتمع”، حسب قول أمينة عبيد، وهي لاعبة كرة سلة شهيرة، وألعاب أخرى كالبلياردو وتنس الريشة. وتمارس اللاعبات الرياضيات بطولاتهن وألعابهن في صالات مغلقة، بعيداً عن وسائل الإعلام والرجال، فقد تتعرض الرياضية في هذا البلد القبلي المحافظ، للقتل من أهاليها حال ظهرت “غير محتشمة”، فضلاً عن أن غالبية اللاعبات يرتدين الحجاب واللباس الطويل أثناء اللعب. وتضيف أمينة لـ”المشاهد”: “تتحاشى الجهات الرسمية القائمة على البطولات وأسر اللاعبات، ردود فعل الناس، وربما كذلك خوفاً من بروز المرأة وتفوقها على الرجل”. ووفقاً لأمينة، يجب معالجة الخلل القائم في المجتمع ونظرته الدونية للنساء، ومن ثم “يمكن الحديث عن مساواة بين الرجل والمرأة”. ورغم الحرب التي تعصف باليمن منذ 5 سنوات، لاتزال بعض الأنشطة الرياضية النسائية مستمرة، تحديداً في العاصمة صنعاء. “رغم الحرب التي دمرت كل شيء، وأجهضت الرياضة بشكل عام، نسعى لإثبات قدرتنا على الإبداع مهما كان الثمن، وعلى حسابنا الشخصي، وبإمكانياتنا البسيطة والذاتية”، الحديث مجدداً لأمينة عبيد التي شاركت في عديد البطولات المحلية لكرة السلة والبلياردو، “منذ عام 2008، أحافظ على مراكز متقدمة في بطولة الجمهورية، وحصلت على قرابة 100 ميدالية وكأس، رغم أنني أدرب نفسي بنفسي، وأشتري احتياجاتي للرياضة على حسابي الخاص”. ومؤخراً، تحولت أمينة إلى مدربة لكرة السلة، تقوم بتدريب فتيات صغيرات على هذه اللعبة على حسابها الخاص، “هدفي نشر اللعبة التي أحبها وأعشقها من قلبي”. وتتمنى الشابة ذاتها انتهاء الحرب في بلادها، وأن تتحسن أوضاع الرياضة النسائية، وتصبح على الأقل مساوية في الظلم للرياضة الرجالية كمرحلة أولى. وحتى مع افتتاح أقسام جامعية للتربية الرياضية والبدنية، يؤكد معلمون وتربويون لمعد التقرير أن “كافة مدارس الفتيات في اليمن تقريباً لا يمارس فيها أي نشاط رياضي”.