تتصاعد التحذيرات من تركيز توجهات السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة على إحياء الاتفاق النووي مع إيران، واستعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وحل بقية الملفات الشائكة في الشرق الأوسط، والتي قد لا تكون ذات أولوية أو مهمة بالقدر الذي تشكله التهديدات المستمرة لتنظيم داعش المتطرف في أماكن تتجاوز حدود المنطقة ما يزيد من منسوب الأخطار في كل أنحاء العالم.
ليس من قبيل المصادفة أنه بمجرد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض ودخول الرئيس جو بايدن، بدأت العناوين الرئيسية تقفز أمام المتابعين، والتي تتمحور في شق منها حول ما إذا كان لتنظيم داعش المتشدد القدرة على استعادة تنظيم الهجمات هذا العام وفي السنوات المقبلة خاصة مع التغيير السياسي في الولايات المتحدة.
ومن هنا كان السجال، إذ من المحتمل أن يخاطر بايدن بالتغاضي عن التهديد الكبير للغاية، الذي يشكله الأنصار المتعصبون للتنظيم المتطرف، والذي يمكن أن يتسبب مرة أخرى في حالة من الفوضى في المنطقة إذا لم يتم كبحه على النحو الأمثل.
ووفق تقرير نشرته "صحيفة العرب" أظهر التنظيم مرارا قدرة على النهوض من خسائر فادحة تكبدها في السنوات السبع الماضية بالاتكال على كادر متخصص من القادة المخضرمين من الصفوف المتوسطة، وشبكات سرية واسعة النطاق، وتراجع ضغوط مكافحة الإرهاب ليس في المنطقة فحسب، بل وجد الطريق مفتوحا للتوسع في مناطق كثيرة في قارة أفريقيا.
ويعتقد المحلل السياسي والباحث البريطاني كون كوغلن أنه في الوقت الذي تستعد فيه إدارة بايدن في الوقت الحالي لتطبيق سياستها الجديدة بشأن الشرق الأوسط، فإنه من المهم للغاية ألا يؤدي انشغالها بإحياء الاتفاق النووي، إلى أن يتجاهل البيت الأبيض التهديد الخطير، الذي مازال يشكله تنظيم داعش المتشدد بالنسبة إلى الأمن العالمي.
كون كوغلن: داعش لا يزال يشكل أهم تهديد بالنسبة إلى الأمن العالمي
ومنذ تولي طاقم السياسة الخارجية، الذي عينه بايدن في الشهر الماضي مهام عمله، كانت أولوياته الرئيسية في ما يتعلق بالشرق الأوسط، هي بحث احتمالات إعادة بدء مفاوضات مع طهران بشأن برنامجها النووي، وإقامة حوار مع القادة الفلسطينيين، الذين قاطعوا على مدار السنوات الثلاث الماضية الرئيس السابق دونالد ترامب بسبب قراره الخاص بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
ويشير كوغلن في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي إلى أنه في ظل تبني هذه النظرة الضيقة إلى حد ما بشأن التحديات العديدة التي تواجه المنطقة، هناك مخاوف متزايدة من أن لا يولي طاقم بايدن اهتماما كافيا بالنسبة إلى التهديد المتزايد، الذي يشكله إرهابيو داعش.
وظهر أحدث دليل على الفعالية المميتة لداعش في الشهر الماضي عندما نفذ تفجيرا انتحاريا مزدوجا في سوق بأحد شوارع العاصمة العراقية بغداد أسفر عن 32 قتيلا و75 مصابا.
وتبنى تنظيم داعش في بيان أصدره على الفور بعد العملية المروعة مسؤوليته عن الهجوم، الذي قال مسؤولون أمنيون عراقيون إنه كان يهدف إلى سقوط أكبر عدد من الضحايا، ويأتي في وقت تتصدى فيه حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للعديد من التحديات الأمنية، ليس أقلها تدخل إيران المتواصل في شؤون بلاده.
وإضافة إلى ذلك، يأتي الهجوم على خلفية نشاط متزايد من جانب مقاتلي داعش في العراق، فقبل الهجمات الانتحارية، تم تحميل مقاتلي داعش المسؤولية عن تفجير أبراج كهرباء في محافظة ديالى العراقية، وهو إجراء كان هدفه شلّ إمدادات الكهرباء الأخذة في التناقص بالفعل في العراق.
وشنّ مقاتو داعش حملة ترهيب على مستوى منخفض في العراق خلال معظم العام الماضي، ولكن الارتفاع الأخير في نشاط التنظيم يعتبر دليلا على سعيه على نطاق واسع لإحياء نفوذه بعد أن تم القضاء على محاولاته لتأسيس ما يسمى بـ”دولة الخلافة” من خلال حملة إدارة ترامب الفعالة للغاية ضد الجهاديين، الذين أُرغموا على التخلي عن آخر قطعة من الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها في عام 2019.
ومنذ ذلك الوقت، ينهمك التنظيم في إعادة بناء بنيته التحتية الإرهابية، حتى أن تقريرا أصدره مؤخرا مجلس الأمن الدولي خلص إلى أن داعش يتحكم في الوقت الحالي في أكثر من عشرة آلاف مقاتل موزعين في خلايا صغيرة على كل من سوريا والعراق.
تنظيم داعش أظهر قدرة على النهوض من خسائر فادحة تكبدها في السنوات الماضية بالاتكال على كادر متخصص وتراجع ضغوط مكافحة الإرهاب
وأدى تصاعد أعمال العنف التي ينفذها تنظيم داعش إلى رد فوري من جانب الحكومة العراقية، التي أقرت بإعدام جماعي للمئات من مقاتلي داعش المدانين بتهم الإرهاب.
وبالإضافة إلى ذلك، قتلت ضربة عسكرية أميركية عراقية مشتركة الشهر الماضي أكبر قيادي داعش في العراق. فقد قُتل أبوياسر العيساوي، وهو قيادي مخضرم في الحملة الإرهابية الجهادية ضد التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، في عملية جوية وبرية مشتركة بالقرب من مدينة كركوك شمالي العراق. وقتل الهجوم 10 من مسلحي داعش، ودمر أيضا مخبأ للتنظيم في شبكة من الكهوف.
ومنذ القضاء على قائد التنظيم أبوبكر البغدادي في شهر أكتوبر 2019 وغيره من القادة البارزين، تمكّن القائد الجديد محمد سعيد عبدالرحمن المولى من إدارة هجمات جديدة بواسطة فصائل تابعة للتنظيم بعيدة جغرافيا عن القيادة.
ويؤكد مراقبون أن داعش سيستمر كفكر طالما نجح في توظيف الصراعات القبلية والإثنية، التي تشهدها المنطقة الأفريقية، وطالما راهن على تجنيد النساء وتطويعهن لتوليد جيل جديد من الجهاديين. إذ كشفت العديد من الدراسات التي تُعنى بالإرهاب، استقطاب التنظيم المتزايد للنساء عموما.
وحتى يظهر أنه لا يزال ينشط بثبات رغم مقتل قادته، يقوم التنظيم بتوثيق نجاحه هذا بتسجيلات فيديو استخدمها على سبيل الدعاية لإظهار أنّ الجهاديين لا يزالون منظّمين ونشطين على الرغم من اجتثاثهم من المنطقة التي أعلنوا فيها “الخلافة” في سوريا والعراق.
ومن المؤكد أن عودة ظهور داعش كتهديد إرهابي كبير، حيث هناك أيضا تقارير عن زيادة نشاط داعش الإرهابي في مناطق واسعة في قارة أفريقيا، أمر يتعين على إدارة بايدن أن تضعه في الاعتبار في الوقت، الذي تبدأ فيه تنفيذ سياستها الجديدة الخاصة بالشرق الأوسط.
وحتى الآن، تهدف معظم بيانات إدارة بايدن المتعلقة بالقضايا السياسية إلى خفض حدة التوترات مع إيران، مثل تجميد مبيعات الأسلحة إلى السعودية والدول الخليجية وتخفيف القيود المفروضة على المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين تدعمهم طهران.