الاربعاء ، ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ ساعة ١٢:٣٣ مساءً

تفاصيل كواليس وساطة كويتية غير معلنة بين "طهران" و"الرياض".. السعودية تشترط الانسحاب من اليمن.. وإيران توافق عليه بشرط غير متوقع

تناولت بعض التقارير الإعلامية مؤخراً موضوع وجود وساطة كويتية- قطرية، لإعادة فتح الحوار بين إيران والسعودية، خصوصاً في ظل تغير السياسة السعودية الخارجية في أعقاب رحيل الرئيس الأمريكي السابق ترامب عن الحكم. ورغم تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، التي عبرت عن يأس الرياض من نتائج الدخول في أي حوارات مع طهران، إلا أن هناك إشارات إيجابية حول استجابة السعودية لجهود الوساطة.

البداية من قمة "العلا" الحديث عن فتح حوار بين طهران والرياض، كان قد بدأ من قمة العلا، التى شهدت التوقيع على بنود المصالحة بين الرياض والدوحة في 5 يناير/كانون الثاني 2021. وذكر مصدر دبلوماسي كويتي لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخول له الحديث لوسائل الإعلام، أن الكويت حاولت تكرار أمر الوساطة الذي حدث بين الدوحة والرياض، مع إيران والسعودية. وأضاف "تلقى الوفد الكويتي إشارات إيجابية برغبة سعودية فى فسح المجال أمام إعادة الحوار". على الجهة المقابلة، تحدثت مصادر دبلوماسية إيرانية، لـ"عربي بوست"، عن نفس الأمر، فذكر مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الايرانية: "تلقينا اتصالات من الجانب الكويتي، بعد قمة العلا، للتمهيد لحوار إيراني سعودي، ورحبنا على الفور بالأمر، كما رحبنا بالمصالحة الخليجية".

يأتي هذا رغم تصريح وزير الخارجية السعودي، قائلاً: "دخلت الرياض في حوارات سابقة مع إيران، لكنهم لم يلتزموا". لترد إيران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، سعيد خطيب زادة، بأن "موقف إيران تجاه جميع الجيران موقف متساوٍ، وأن طهران سبق أن قدمت آليات واستراتيجيات لتحقيق التعاون بين دول المنطقة"، مؤكداً أن "أحضان إيران مفتوحة" أمام المملكة العربية السعودية، وباقي الدولة الخليجية. التيارات السياسية الإيرانية ترحب بالحوار لقي عرض دولة الكويت، بتمهيد الطريق لإعادة الحوار بين إيران والسعودية، صدىً كبيراً داخل الأوساط السياسية الإيرانية بتياراته المختلفة، فرحب كل من الإصلاحيين والأصوليين، بالحوار مع الرياض.

مصدر مقرب من علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علق على هذا الأمر لـ"عربي بوست"، قائلاً: "دائماً ما كانت إيران منفتحة على الحوار مع الرياض، وقدمنا من قبل خطة لمشاركة جميع الأطراف في حماية أمن الخليج، دون الاعتماد على الولايات المتحدة". وأضاف: "نحن جاهزون الآن لإحياء الحوار مع الأشقاء في الرياض".

ملك السعودية وولي عهده كما تحدث المصدر عن رؤية إيرانية جديدة، للتقارب مع المملكة العربية السعودية، فيقول: "بعد 4 سنوات من إدارة ترامب التى كانت تريد إشعال نار الفتنة فى المنطقة، لدى طهران استراتيجية جديدة للتقارب مع دول المنطقة، على أساس من الاحترام والثقة المتبادلة، والقادة الإيرانيين جادون فى تنفيذ هذه الاستراتيجية".

في السنوات الماضية وصل مستوى التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران إلى ذروته، خاصة بعد إسقاط القوات الإيرانية لطائرة بدون طيار أمريكية فوق مضيق هرمز، وما تلاه من مناوشات واستهداف لناقلات النفط الخليجية فى مياه الخليج، انتهاءً باستهداف الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، للبنية التحتية النفطية للسعودية، واستهداف منشآت أرامكو، وقد ألقت واشنطن باللوم على إيران فى جميع تلك الحوادث، فيما نفت الأخيرة هذه الاتهامات. زيارة كويتية لإيران في الأيام القليلة الماضية سافر وفد دبلوماسي إيراني بقيادة نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي إلى دولة الكويت، لبحث سبل الوساطة الكويتية لإتمام الحوار الإيراني السعودي. مصدر دبلوماسي إيراني كان من ضمن الوفد الذى زار دولة الكويت مؤخراً، تحدث لـ"عربي بوست"، قائلاً: "نحن مهتمون بالفعل بحل الخلافات مع الرياض، نجاح الكويت في المصالحة الخليجية، وحماسها ورغبتها في إنهاء الخلافات بين الرياض وطهران، قد شجع القيادة السياسية في إيران على المضي قدماً لفتح باب الحوار".

ليست هذه هي المرة الأولى التي تعلن دولة الكويت مساعدتها لإنهاء الخلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية، ففي عام 2017 أعلن الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد إمكانية وساطة الكويت لحل الخلاف الإيراني السعودي، وباقي الدول الخليجية. بعد الزيارة الإيرانية لدولة الكويت، وبحسب مصادر دبلوماسية إيرانية وكويتية تحدثت إلى "عربي بوست"، فمن المتوقع أن يزور وفد كويتي العاصمة الإيرانية طهران، خلال الأيام المقبلة، لبحث العديد من المسائل التى تخص الحوار بين طهران والرياض، مع المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. يقول مصدر دبلوماسي من الجانب الكويتي لـ"عربي بوست": "نبحث فى الأيام المقبلة زيارة طهران، لإبلاغ القيادة الإيرانية بالمطالب السعودية، ومحاولة إيجاد حلول قابلة للتنفيذ لإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات".

لكن المصدر الدبلوماسي الكويتي، لم يكن متفائلاً لحد كبير بخصوص هذه المسألة، فيقول لـ"عربي بوست": "في الماضي أفشلت الرياض محاولات الحوار، بالتمسك بشروط لم تقبلها إيران، والآن تعيد نفس الأمر، لكننا نأمل في التوصل إلى حل يحقق الحوار هذه المرة". الحوار من أجل الاتفاق النووي بعد أن فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأعلن نيته العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، بدأت محادثات سرية بين فريق بايدن، والحكومة الإيرانية. وبحسب مصدر إيراني مطلع على هذه المحادثات، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن، طلب من طهران حل خلافاتها مع المملكة العربية السعودية، لضمان عودة سريعة وبدون عوائق للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

الجدير بالذكر أن الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، عارضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لإبرام الاتفاق النووي مع إيران، دون النظر إلى مصالحها في المنطقة، وعندما تولى الرئيس السابق دونالد ترامب إدارة الولايات المتحدة، وانسحب من الاتفاق النووي فى مايو/آيار 2018، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، رحبت المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية بالانسحاب الأمريكي.  يقول المحلل السياسي المقيم بطهران، محمد رضا صادقيان لـ"عربي بوست": "ليست إيران فقط الراغبة في حل الخلاف مع السعودية من أجل الاتفاق النووي، بل إن الرياض وبعد أن فقدت حليفها الأمريكي دونالد ترامب، تجد أن الحوار مع إيران أمر هام، خاصة بعد إصرار جو بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي".

أزمة اليمن وسلوك إيران الإقليمي على ما يبدو أن الرياض متمسكة بشروطها القديمة قبل إجراء أي حوار مع طهران، بحسب المصدر الدبلوماسي الكويتي، فإن الرياض أبلغت الكويت بأهمية انسحاب إيران من اليمن، ووقف دعمها للحوثيين، ووكلائها فى المنطقة. لكن إيران كانت لديها خطة أخرى حول هذا الأمر، يقول مصدر دبلوماسي إيراني، لـ"عربي بوست": "وجود الرياض فى اليمن وضعها فى طريق مسدود، وكلفها الكثير، ونعلم أنها ترغب فى إنهاء هذه الحرب، خاصة بعد تولي بايدن المهتم بإنهاء الصراع فى اليمن، لذلك سوف نقترح على السعودية انسحاب جميع الأطراف من اليمن، والتفاوض من أجل حل سياسي، وليكن تقاسم السلطة". علق المصدر الدبلوماسي الإيراني على مطالب السعودية الأخرى، مثل امتلاك بلاده لبرنامج الصواريخ الباليستية والأسلحة النووية كما تزعم الرياض، قائلاً "قلنا مراراً وتكراراً إن طهران لا تسعى لسلاح نووي، وإن البرنامج الصاروخي دفاعي وليس هجومياً، ولكن إذا أرادت السعودية الحديث عن هذه الأمور، سيكون الأمر متبادلاً، ويجب أن تساعد واشنطن فى هذا الأمر بوقف تسليح الدول الخليجية، وجعل المنطقة مكتظة بالسلاح".

المحادثات بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية لم يتحدث أي من الأطراف المعنية بإعادة الحوار بين طهران والرياض على موعد محدد لبدء هذا الحوار، في حال موافقة الطرفين على الجلوس حول طاولة المفاوضات. لكن بحسب المصادر الدبلوماسية الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الأمر من الممكن أن يتم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الصيف المقبل. يقول مصدر دبلوماسي إيراني لـ"عربي بوست": "هذه رغبة السعوديين، يريدون الجلوس مع الإدارة الإيرانية المقبلة لضمان تنفيذ التعهدات إذا تمت الموافقة على إجراء الحوار". ويضيف المصدر قائلاً: "لكننا نرى أن الإدارة الإيرانية الحالية تستطيع القيام بهذه المهمة على أكمل وجه، خاصة أن الرئيس حسن روحاني قد أعلن عن خطته فى عام 2019 للسلام بين دول المنطقة، لا نرى أي تفسير للمخاوف السعودية الخاصة بتنفيذ طهران للتعهدات والاتفاقيات".