على مرأى ومسمع من العالم أجمع، توفيّ 200 مختطَف جراء التعذيب داخل سجون ميليشيا الحوثي، "اختلفت طُرق ووسائل تصفيتهم من سجن لآخر، منهم من توفي جراء الصعق الكهربائي، ومنهم من قضوا بسبب الضرب المبرح بالعصيّ والسّياط، وآخرون تم شنقهم".
اقرأ أيضاً :
بعد مواجهات مع الحوثيين.. الجيش الوطني يسيطر على مواقع استراتيجية في تعز
أبو علي الحاكم، رئيس ما تسمى هيئة استخبارات مليشيا الحوثي والمشرف الأول على جميع السجون، هو المسؤول عن إصدار أوامر قتل هؤلاء المختطفين.
لكن، طالما تساءل الكثيرون عن المنفذ المباشر لتلك الأوامر؟
من يستطيع أن ينفذ أوامر قتل الأبرياء بهذه الوحشية؟
بعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة، قام الحوثيون بدمج الأجهزة الأمنية الأربعة التابعة للحكومة (دائرة الاستخبارات، الأمن السياسي، الأمن القومي، البحث الجنائي)، تحت إدارة واحدة تُعرف حالياً باسم "هيئة الاستخبارات" مع الإبقاء على الهيكل التنظيمي لهذه الأجهزة الأمنية، وكذا من يديرها، وجميعهم يترأسهم أبو علي الحاكم أحد أبرز قيادات المليشيا الحوثية.
الصندوق الأسود
بعد تعيينه رئيس ما يسمى هيئة الاستخبارات لدى المليشيا، عمد "أبو علي الحاكم" الإبقاء على العقيد "خالد الجاكي" في منصب مدير مكتب التحقيقات لهيئة الاستخبارات الحوثية، لما لهذا المنصب من أهمية بالغة، ذلك أن مدير مكتب التحقيقات في أجهزة الاستخبارات يعتبر "الصندوق الأسود" للدولة نظراً لمعرفته وحيازته أهم معلومات الدولة، السرية منها والمعلنة، وقد تم الإبقاء عليه في منصبه بعد أن أظهر "الجاكي" ولاءه المطلق للحوثيين.
ينتمي خالد الجاكي لقرية بيت الجاكي عزلة قاع الحباب بمديرية سنحان وبني بهلول التابعة لمحافظة صنعاء. وهو أحد الضباط خريجي الكلية الحربية بصنعاء.
عمليات التحقيق
يشرف الجاكي على عمليات التحقيق مع جميع المختطفين والمختطفات والأسرى في كافة سجون مليشيا الحوثي المعلنة منها والسرية.
يرفع تقاريره ويتلقى أوامره المباشرة من وإلى أبو علي الحاكم فقط.
ويترأس خالد الجاكي فريق المحققين في كافة سجون مليشيات الحوثي، حيث إن معظم هؤلاء المحققين هم ضباط وموظفون سابقون في الأجهزة الأمنية سابقاً، أبقت عليهم المليشيا بعد إظهارهم الولاء لها، بالإضافة إلى قيام أبو علي الحاكم بتوظيف محققين آخرين ينتمون للسلالة الهاشمية، وجميعهم يتلقون أوامرهم من العقيد خالد الجاكي.
يتنقل الجاكي برفقة فريق محققيه من محافظة إلى محافظة مروراً بكافة السجون والأقبية، ليرفع تقاريره النهائية إلى المدعو أبو علي الحاكم، فيقوم الأخير بإصدار أوامره النهائية بشأن الإبقاء على من تم التحقيق معهم داخل السجن، أو نقلهم لسجن آخر، أو إطلاقهم، أو إصدار أمر مباشر لخالد الجاكي تصفية المختطف داخل السجن.
ومن المهام التي يقوم بها فريق المحققين برئاسة الجاكي جمع المعلومات العسكرية من الأسرى والمختطفين داخل السجون، خصوصاً ممن ينتمون للجيش الحكومي والحركات المقاومة ضد مليشيا الحوثي.
كما يقوم الجاكي بالإشراف على التحقيق مع كافة النساء المختطفات داخل أقبية وسجون الحوثيين السرية، من ثم رفع تقاريرة الأخيرة إلى المدعو أبو علي الحاكم.
سجون سرّية
أكدت مصادر خاصة لـ"الساحل الغربي" أن العقيد خالد الجاكي هو المسؤول الأول عن استحداث كافة السجون السرية التابعة لمليشيا الحوثي، وبذلك يكون الجاكي بمثابة خارطة بشرية متحركة لكافة سجون الحوثيين السرية التي استحدثتها المليشيا منذ انقلابها في العام 2014م.
ونظراً لمنصبه المهم والحساس، لا يظهر خالد الجاكي كثيراً في العلن ولا يتم ذكر اسمه أمام الضحايا داخل السجون، حيث يتم عصب أعين الضحايا أثناء التحقيق معهم وتعذيبهم حتى لا يتم التعرف عليه.
التعذيب وتصفية المختطفين
عمدت مليشيا الحوثي على استحداث غرف للتعذيب بداخل معظم السجون التي تديرها، حيث أفادت التقارير المحلية والدولية أن أكثر من 250 مختطفاً قضوا خلال عمليات تعذيب مارستها ضدهم فرق التحقيق التابعة لمليشيا الحوثي بداخل السجون.
ويتصدر سجن الصالح بتعز وسجن الأمن السياسي بصنعاء من حيث عدد الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب، حيث بلغ عدد الضحايا ممن لقوا حتفهم جراء عمليات التعذيب أثناء التحقيق معهم تحت إشراف "الجاكي" داخل سجن الأمن السياسي أكثر من 70 ضحية.
ومن هؤلاء الضحايا "أمين يحيى حنينه" الذي اُختطف من منزله في يناير 2018م.
حيث اُبلغت أسرة "حنينة" بوجود جثته في مستشفى 48 بعد إصابته بضربة قاتلة بالرأس أثناء تعذيبه داخل الأمن السياسي بصنعاء، أثناء التحقيق معه من قبل العقيد خالد الجاكي ومحققين آخرين.
كما توفي المختطف علي عبدالله حسن العمار، أحد أبناء محافظة الحديدة، داخل سجن الأمن السياسي بصنعاء 2019م نتيجة تعرضه للتعذيب الشديد، وقد أشرف على تعذيبه والتحقيق معه خالد الجاكي.
أما في السجن الحربي بصنعاء، قام خالد الجاكي باستدعاء المختطف "يوسف عبدالله مسعد المقبلي" أحد أبناء مديرية الرضمة، الواقعة شرقي محافظة إب، استدعاه الجاكي للتحقيق، وبعد خمس دقائق من عودته إلى زنزانته توفي على الفور داخل السجن الحربي بالعاصمة صنعاء.
أما في سجن مدينة الصالح بتعز فقد توفي الشاب إبراهيم مهيوب مقبل الصلاحي (أحد أبناء مديرية شرعب السلام) عام 2018م". أثناء التحقيق معه من قبل العقيد خالد الجاكي.
ابتزاز...
أكد عدد من الضحايا ممن تم الإفراج عنهم من السجن الحربي بصنعاء ومن سجن مدينة الصالح بتعز وعدة سجون أخرى في ذمار وعمران، أكدوا أن المدعو خالد الجاكي وعدهم أثناء التحقيق معهم بالإفراج عنهم باستخدام صلاحياته الواسعة "حد وصفه" شريطة دفع الضحايا مبالغ مالية تصل إلى مليون ريال عن كل مختطف.
حيث أفاد الضحية (هـ - ع) أن خالد الجاكي عرض عليه الإفراج عنه وتغيير محضر التحقيق شريطة دفع الضحية مبلغ مليون ريال للجاكي.
العديد من الضحايا الناجين من مختلف سجون الحوثيين في عدة محافظات، أفادوا أن ذكر اسم خالد الجاكي بين المعتقلين يبعث على الرعب، حيث عُرف عن الجاكي بين المختطفين بأنه عشماوي الحوثيين الذي لا يفلت من قبضة عقابه أحد.
منظمات محلية ودولية
رابطة أمهات المختطفين أفادت، في بيان لها، أن قرابة 150 شخصاً قتلوا تحت التعذيب في سجون ميليشيا الحوثي، وأكدت أن إحصاءاتها أقل بكثير من الواقع الفعلي؛ نظراً لعدم قدرتها على الوصول إلى كافة أسر المختطفين والأسرى في سجون الحوثي.
وفي وقت سابق من العام 2020م أظهر تقرير لوكالة "أسوشييتد برس"، روايات صادمة حول أساليب التعذيب التي أودت بحياة الكثير من المدنيين، منذ أن استولت الميليشيات الانقلابية على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014.
وتحدثت وكالة أسوشيتد برس مع 23 شخصاً، قالوا إنهم نجوا أو شهدوا عمليات تعذيب داخل مراكز احتجاز تابعة للحوثيين، فضلاً عن الحديث مع 8 من أقارب معتقلين، و5 محامين وناشطين حقوقيين، و3 مسؤولين أمنيين انخرطوا في عمليات تبادل سجناء بأوقات سابقة، وقالوا إنهم رأوا علامات تعذيب على أجساد السجناء.