اقرأ أيضاً :
الحكومة تزف بشرى سارة إلى جميع موظفي الدولة وترسلها للبنك المركزي
�هذه النظرة ودع نجل الشهيد البطل "حمزة شداد" والده الذي زفته المدينة كلها، وحشد من أرواح رفاقه الذين سبقوه، في رحلة الصعود إلى السماء بعد سنوات من الكفاح في سبيل انتشال الوطن من "وحل" الانقلاب الحوثي اللعين! لم تكن مجرد جنازة، تلك التي سار فيها الناس بل كانت استفتاءا شعبيا عظيما على عمق الأثر الذي يتركه الرجال. كانت تصريحا واضحا عن قدرة الناس بمختلف فئاتهم ومستوياتهم على معرفة "الأبطال" الحقيقيين، مهما ابتعدوا عن أعين عدسات الإعلام، وتجاهلتهم الحروف، ومرت من فوقهم الرتب والمرتبات، وغطاهم غبار المعارك وغشاهم دخانها حتى لم يعد يرهم أحد! كانت رسالة أكثر صراحة وقوة، في وجه "المفصعين" الذين عملوا بكل جد لتصدر مشهد المدينة ونجحوا بالفعل في أوقات مختلفة خاصة في الفترة الأخيرة، مدفوعين برغبة الممول، وثغرة كل مسؤول لم يقم بما هو عليه. احتشد الناس من كل الأطياف، وشاركوا وداع حمزة ورفاقه الأبطال، رغم أن كثير منهم لم يكن يعرفه قبل ذلك.. طوال ٦ سنوات من الحرب، ناهيك عن عمر الشاب الممتلئ كبرياءا ورجولة، لم يرد إسم حمزة في كل ما يمس الناس بأذى.. لم يشارك في "غزوات الأراضي" ولا "خبابير الفصاع". لم يشتبك مع غيره في سوق، ولم يصدم بطقمه العسكري سيارة مواطن، ولم يتلفظ على أحد بكلمة. حين تلتقيه، ترى فيه خجل شاب اجتمعت فيه عرى التربية الحسنة الوثقى، فتستغرب أن رجل المهمات القتالية الصعبة هو هذا الشاب الهادئ! كيف لا، وهو نجل رجل لم يأت من نسله إلا رجال. بعد أقل من ١٤ ساعة من وصول خبر استشهاد ولده وفلذة كبده، وفيما كان محافظ تعز على موعد مع زيارة لمدارس المدينة صباح اليوم التالي برفقة مدير مكتب التربية والتعليم بالمحافظة، الذي هو والد الشهيد حمزة، تفاجئ الجميع بوجود الأستاذ عبد الواسع شداد على رأس الحاضرين في الصباح الباكر، مصرحا أن تقديم التضحيات في سبيل إيقاف لعنة الموت الحوثي مهما كانت كبيرة لن توقفنا عن صناعة الحياة! واليوم أيضا، يقف "الرجل الأشد" عبدالواسع شداد في وداعية ولده، يواريه الثرى وعلى وجهه ابتسامة ممزوجة بالتعب.. ابتسامة الرجل الذي يعرف أن ثمن التحرر غال، وأن مهر استعادة الوطن كبير وتعب الأب الذي يودع الطفل الذي كان في حضنه، قبل حين، والشاب الذي يتوكأ به على خط سير الحياة، وتقادم العمر ومضي الأيام ! رحل الحمزة الممتلئ كبرياء ورجولة، وحرص حتى وهو يدفن، أن يستنهض همم الرجال، ويوحد صفوفهم، ويحيي فيهم ذكريات التسابق على التضحية والشجاعة والإقدام! توقفت أنفاسه، وهو يعيد أنفاس الحياة إلى جسد المدينة المثخن بالجراح، والوطن المحاصر بالموت! رحل وبقيت أوجاعنا فيه، وافتخارنا الكبير به، واعتزازنا العظيم بكل بطولاته، هو وسائر الرجال..